IMLebanon

مسلمو «الأرض الجديدة» على مفترق

يستضيف رئيس الوزراء الكندي ستيفان هاربر زعماء المسلمين في بلده إلى مائدة إفطار في مقره الرسمي في أوتاوا، وهي سابقة يحققها السياسي اليميني الذي لا يزال يتخيل جورج بوش الابن في البيت الأبيض ولا يكاد يعترف بوجود باراك أوباما وحزبه الديموقراطي. وعلّق صحافيون كنديون أمس على الدعوة بالقول أن هاربر يريد من الإفطار طي صفحة إقرار البرلمان مشروعاً يفرض على النساء المهاجرات خلع الحجاب عند قَسَم اليمين لنيل الجنسية. وفي حين لم يقر البرلمان مشروع قانون بمنع الحجاب في المدارس، أقرّ مشروعاً آخر يوجب كشف وجه المرأة أثناء الاقتراع في الانتخابات، بما يعني المنقّبات لا المحجّبات.

إنها تفاصيل تكتسب أهميتها من حساسية الدولة الغربية تجاه هجمة الإسلام السياسي والمتعسكر الذي يتطلب استثناءات اجتماعية وأمنية لا يتحمّلها المناخ الديموقراطي القائم على حرية المواطنين الأفراد في إطار القانون. وتصل الحساسية في دولة مثل أستراليا إلى حد إصدار قوانين تقضي بسحب الجنسية من مواطنين ضالعين في الإرهاب. وتم توسيع قانون يسحب الجنسية من أي مواطن يخدم في قوات مسلحة لدولة في حالة حرب مع أستراليا، ليشمل المواطنين المنضوين في مجموعات إرهابية تحارب في الخارج، بهدف منع هؤلاء نهائياً من العودة، مع التشديد على أن سحب الجنسية ومنع العودة يتعلّقان بالمواطنين الإرهابيين الخطرين.

هذه المشكلات تطرحها عولمة «داعش» و «القاعدة» وتُسبّب قلقاً للمسلمين في «أرضهم الجديدة»، حيث يُفترض أنهم اختاروا أوطاناً بديلة يمارسون فيها إيمانهم الديني بحرية، بعيداً من تلبية عمياء لأوامر قادة جيوش ومنظمات مسلحة ترفع الإسلام شعاراً ومن دون إجماع.

الكرة في ملعب المسلمين أكثر مما هي في ملعب حكومات أوطانهم الجديدة، إذ يطرح الإسلام السياسي والمتعسكر تحديات خاصة في مجتمعات متعددة الثقافة، تحترم، منذ نشوئها على مجموعات مهاجرة، الإيمان الديني وتعتبر أوطانها «أرضاً جديدة» لهذا الإيمان، وهو، إن بدا في الأصل توراتياً وإنجيلياً، فقد انسحب لاحقاً على المهاجرين المنتمين إلى أديان أخرى، ومنها الإسلام.

الآن، مع «القاعدة» و «داعش»، ومن قبلهما متواليات القلق بعد تفجيرات 11 سبتمبر، تنطلق مشكلة تفسير كلمة «الجماعة» الإسلامية، وهل أنها تخترق حدود الدول بمعناها الروحي والأخلاقي أم بمعنى سياسي وعسكري يُراد لمسلمي الغرب أن يتبنّوه، كأنه قضية تسليم إيماني لا قضية اجتماع سياسي ومصالح.

ويبدو أن مسلمي الغرب مدعوون لحل مشكلات الاندماج في أوطانهم الجديدة، من دون أي مساعدة من المؤسسات الدينية العريقة في ديار المسلمين، لكون هذه المؤسسات صامتة، أو شبه صامتة، أمام موجات التطرف التي تجتاح العالم الإسلامي في أوطانه وفي بلاد الهجرات، ومبعث الصمت شيء من الضعف وكثير من الحذر من أن يؤدي تدخّلها إلى مزيد من تشرذم القيادات الدينية، التقليدية والمحدثة على السواء. لذلك، يلجأ مسلمون في الغرب إلى تنصيب أئمة منهم، رافضين استيراد أئمة من ديار الإسلام، ثبت أن بعضهم يجهل ظروف المسلمين المهاجرين ويدعو إلى تغليب «الجماعة» على «الوطنية»، واضعاً الإيمان في الدرجة الثانية بعد التضامن الأعمى مع قيادات إسلامية سياسية ومسلحة تفرض نفسها ولا تستشير.

وتتفاقم القضية مع مشاعر كراهية تصدّرها بلاد المنشأ إلى المهاجرين، فتطرح الصراع الطائفي في أسوأ صوره، وصولاً إلى تجريد المسلم المهاجر من تراث وطني يجمعه بمهاجرين آخرين أتوا من الوطن نفسه، ودفعه إلى التنصُّل من عاداته وتقاليده وفولكلوره ليصير كائناً طائفياً معولماً يؤكد ذاته الطائفية بكراهية الآخر، وتلك مشكلة إضافية لمشاكل الاندماج المعهودة.

مسلمو البلاد الغربية على المفترق، وهم مدعوون إلى حل مشاكلهم بأنفسهم، على قاعدة عدم التعارض بين الإيمان والمواطنة، وعلى وعي التناقض مع إسلام سياسي متعسكر يفرض نفسه بقوة العنف والمال وتغييب العقل وقطع الصلة بسائر البشر.