IMLebanon

المسلمون لا الإسلام في خطر

يقف سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية القاضي عبد اللطيف دريان في عين عاصفة التطرف والإرهاب الداعشي الذي يضرب المسلمين في مقتل، وفي توقيت شديد الدقّة والخطورة يتحمّل الرّجل أعباء الحفاظ على «لبنان ـ الرسالة» والعيش المشترك، وما بين هذا وذاك، وعلى خطى الأزهر الشريف في مصر الذي ضبط منابره فمنع «متسلّفين» ـ فاتحين عحسابهن ـ من اعتلاء منابر المساجد لتضليل المسلمين السذّج الأبرياء، هذه خطوة لا بُدّ منها في لبنان فكم من تشدّد يعتلي المنابر في مساجدنا ويطلق خطاب الفتنة والتحريض والشحن، بل والتهجّم على دولٍ عربيّة بعينها لرفض شعبها حكم «الإخوان المسلمين»، وهذه مهمّة ليست بسهلة أبداً!!

تردّدت كلمة «الإسلام في خطر» و»الظروف التي يمر بها دينُنا»؛ ديننا، الإسلام بألف خير، ولكن؛ نعم المسلمون ليسوا بخيرٍ أبداً، ولهذا أسباب كثيرة، أنّه لا توجد سياسة عامّة أو إطار عام لمفهوم الاعتدال الإسلامي وقبول الآخر والانفتاح عليه وعن حسن الحوار والجوار بين اللبنانيين جميعاً، ربما هناك توجيه للخطباء على التركيز في منحىً أو توجّه معيّن عام، ولكن هذا التوجّه لا يشمل الكلّ، قبل بضعة أشهرٍ «قفز شيخ وأعلن الجهاد من طرابلس»!!

هذا الفلتان «الفتووي» يجب وضع حدٍّ له، المسلمون ليسوا بخير لأنّ ثلاثة أو أربعة مشايخ يجيبون على سؤال لمستمع واحد في إذاعة القرآن الكريم بفتاوى مختلفة فيضيع السائل ولا يتحمّل المجيب مسؤولية إجابته، بل أكثر من هذا قد «يؤنب» الشيخ السائل إن اتصل ثانية لأنه تجرأ وطرح السؤال مجدداً على شيخ آخر.

والمسلمون ليسوا بخير لتغييب عقول علماء كبار أكاديميين ومختصين بالفكر والفقه والتصوف الإسلامي، ومُبْعدين عن التباحث معهم وسماع اقتراحاتهم في كيفية معالجة حال المسلمين اليوم، أيها السادة، أئمة الإسلام من الإمام أبو حنيفة إلى الشافعي إلى مالك إلى أحمد ابن حنبل، إلى الإمام الغزالي لم يكونوا «مشايخ»، لذا من الصعب جداً إطلاق لقب «العلماء» على «مشايخ» دار الفتوى، فبينهم من فتح الله عليه ومنهم من لم يفتح عليه، فهو حافظٌ أو ناقلٌ عن كتب!!

نعم المسلمون ليسوا بخير، ولكن الإسلام بخير، والمسيحيّون ليسوا بخير، ولكن «المسيحيّة» بخير، المنطقة العربيّة ليست بخير، هناك من يُهدد أو يحاول تصوير أنّ المسيحيّين سيعيشون عذاباتٍ لا سبب لها إلا مسيحيّتهم، هناك من يود أن يذكّر ويُعيد إلى الواجهة أخطاء مروّعة ارتكبها الخليفة العباسي المتوكل، و»كوارث وجرائم « ارتكبها الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، وهذان ليسا الإسلام، فشذَّ «المتوكل على الله» وهدم كنيسة القيامة ونكّل بالمسيحيين، وخالف وصيّة رسول الله في قبط مصر، فنكّل بهم وخصمه يوم القيامة نبيّ هذه الأمة والصاحب الأوحد لرسالة الإسلام، والثاني، أمّا «الحاكم» فهدم كنيسة القيامة وأساء إليها وإلى المسلمين الذين خالفوا مذهبه ونكّل بهم كما بالمسيحيين، وباليهود، لا ندري موقفه بعد ادّعائه الألوهية؟!

ولكن ومقابل هذه الجرائم بحقّ الإنسانيّة و»حريّة الاعتقاد» التي أقرها الإسلام بنصّ إلهيّ قرآني، نضع بين أيدي المسيحيين الوجه الآخر، أو مرآة تنكيل تعكس ما حدث لهم، ونختار حادثين جللين، الأول إحراق الكعبة المشرفة، والثاني ضربها بالمنجنيق، والثاني بعد واقعة الحرّة عندما أبيحت مدينة رسول الله لجند يزيد بن معاوية ثلاثة أيام ينهبونها ويسبون نسائها ويدمرون بيوتها، فهل بعد الحرمين شيءٌ يقال؟ ومع هذا بقي الإسلام بخير، وعلى رغم كلّ ما نزل بمسيحيي المشرق، ما زالوا بخير، ونحن وهم في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ المنطقة العصيب، نريد أمراً واحداً أن نبقى بخير، أن يبقى لبنان ـ الرسالة، أن تقرع أجراسنا وتصدح مآذننا، وهذا يتطلّب أن يتقدّم سماحة المفتي دريان صفوف المسلمين، يضرب على يد كلّ متشدد وان يُبعد عن المنابر كلّ من يظنّ أن الإسلام «دين سائب» وكلّ من يريد بإمكانه أن يفتح «دكانه» من على منابر المسلمين.