كان يجب أن تعرف الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن من حقها أن تصون نظامها، وأن تدافع عن نفسها، وأن تطمح إلى التحوُّل دولة إقليمية كبرى، وأن تعمل لصيانة اقتصادها ولتحقيق اكتفاء ذاتي متنوِّع ولعدم الاحتياج إلى حماية خارجية. لكن كان يجب أن تعرف أيضاً أن المبالغة في الطموحات غير مشروع وأن النجاح في تحقيق بعضها إنجاز، وأن العقبات الجدية إقليمياً ودولياً يجب أخذها في الإعتبار مع إعادة تقويم السياسات للمحافظة على المكاسب. وكان يجب أن تعرف أيضاً أن غرور القدرة يوصل إلى التهلكة أو الانكفاء، وأن نشوة الانتصار تعمي الأبصار. ويعني ذلك أن تحوُّلها دولة نووية مقبول دولياً. لكن تصنيع سلاح نووي مرفوض بل ممنوع لأنه يهدِّد المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى. ويعني أيضاً أن إصرارها على مشروعها الإقليمي الذي أوصلها إلى شرق المتوسط وحدود إسرائيل سيكبدها خسائر كثيرة لا تعوِّضها مكاسب الاتفاق النووي. ذلك أن سيطرتها على بغداد يمكن بلعها لأن غالبية شعب العراق معها لأسباب معروفة. أما سيطرتها على سوريا وعلى لبنان وعلى فلسطين، وتوسُّعها في اتجاه دول عربية أخرى فمستحيل ومرفوض وخصوصاً بعدما صار انطباع العالم العربي والإسلامي السنّي أن مشروعها ليس إسلامياً بل مذهبي وقومي. والدليل أن دول “هلالها” التي كانت في يدها صارت أقسام منها مع أعدائها. طبعاً هي لا تزال تحارب فيها ولا تزال قوية لأسباب عدة. لكن انتصارها الشامل عسكرياً وسياسياً مستبعد. ولذلك من الأفضل سلوك الحوار مع أميركا والمجتمع الدولي الذي يسهِّل الحوار مع المنطقة. وبه تستطيع إيران أن تحقق حداً أقصى لن يحققه التمسُّك بالمشروع الإقليمي.
وكان يجب أن تعرف روسيا أن سكوت أميركا على تدخُّلها العسكري المباشر في سوريا سببه وجود مصلحة لها فيه إذا لم يتجاوز حدوداً معينة. وسببه أيضاً إمكان سقوطها في مستنقع إذا عنَّد رئيسها وقرّر استعادة أمجاد القيصرية والسوفياتية. وربما هي تعرف ذلك، لكن عليها أن تعرف أموراً مهمة أخرى. أولها استحالة التوصُّل إلى تسوية سياسية في سوريا تبقي نظامها وإن منقَّحاً بالأسد أو من دونه. والإصرار على ذلك سيعني تقسيمها. وثانيها أن تعاونها الوثيق مع إيران فيها وخارجها تعبير عن تلاقٍ في المصالح، لكنه ليس تحالفاً استراتيجياً. ويعني ذلك أن عليها أن تأخذ في الاعتبار أن إيران لن تقبل شريكاً لها في سوريا إذا بقيت واحدة تحت سيطرة الأسد وطائفته، أو في منطقتهما إذا تعذَّرت استعادتها كاملة. وثالثها أن تحريض مسيحيي الشرق، وفي مقدمهم مسيحيو لبنان وسوريا وتحديداً الأرثوذكس (أي كنائسهم كلهم)، على تأييد الأسد ونظامه، وعلى دعم تدخُّل روسيا العسكري في “بلاد الشام” سيتسبب بكارثتين. الأولى تصيب المسيحيين لوقوفهم ضد الغالبية السنّية في العالم العربي والإسلامي على رغم أن هدفهم حماية أنفسهم من “داعش” وأمثاله. والثانية تصيب روسيا، إذ تصبح هدفاً مقدَّساً لإسلامييها السنّة ولأمثالهم المنتشرين في العالم، وللذين تقاتلهم في سوريا. ويجب أن تعرف روسيا أخيراً بل رئيسها فلاديمير بوتين، الذي يتمتّع اليوم بتأييد غالبية ساحقة من شعبها ترى فيه زعيماً قومياً سيعيد مجد بلادهم وسيضرب الإرهاب عندهم وفي الخارج، أن استهداف الإرهاب له على نحو ناجح في أكثر من مكان ممكن. وقد لا يبقي ذلك له التأييد الكبير وخصوصاً أنه قائم على أمر واحد هو العزة القومية. في حين أن الاقتصاد ليس في خير، ومداخيل النفط ليست في خير، والبنى التحتية المدنية وغير المدنية ليست في خير. ويبدو أنه يعرف ذلك ولهذا السبب يحاول جاهداً “جمع” العالم للتوصُّل إلى تسوية سياسية في سوريا. لكن المعرفة لا تكفي. فهو يحتاج إلى البراغماتية وإلى القرار الحازم مع حليفه السوري وحتى مع صديقه الإيراني وإلى الصرامة الحازمة ولكن غير المعادية لأميركا.
وكان يجب أن يعرف نظام الأسد أن انتصاره يخالف منطق التاريخ، وأن الأقلية تستطيع حكم الأكثرية بالقمع عقوداً لكنها لا بد أن تدفع الثمن دماً، وأن مهمة النظام كان يجب أن تكون أيام مؤسسه الراحل حافظ الأسد إقامة دولة علمانية أو على الأقل مدنية. إذ بذلك وحده كان حمى أقلية من عودة المظالم إليها، وكان فتح باب الوحدة الوطنية السورية الحقيقية والديموقراطية الفعلية.
ماذا كان يجب أن يعرف اللبنانيون (8 و14 آذار و”حزب الله” والمسيحيون والمسلمون سنّة وشيعة ودروزاً)؟