من المؤكّد أنّ شخصية وخلفية مصطفى أديب مختلفتان كلياً عن شخصية وخلفية حسّان دياب الذي أضاع على البلد 8 أشهر من جهود انتشاله من الحفرة التي هو فيها، فازدادت عمقاً بدلاً من ردم شبر منها.
فالحكومة المستقيلة سيطرت على سلوكها القوى السياسية “الممانعة” للإصلاحات العاجلة، تلك القوى التي تشبّثت بالإستفراد بالسلطة بالقهر وادّعاء العفّة، وبالمكاسب غير المشروعة التي أمعنت في استنزاف أموال اللبنانيين، وأبقت البلد في خدمة مِحور المُمانعة التابع لإيران، وهذا ما جعل صفة المستقلّين والتكنوقراط التي أسبغت عليها كذبة كبيرة، فلم تختلف عن هيمنة عقلية الإنكار لعمق المشكلة التي يمرّ فيها لبنان. وارتهان الحكومة المستقيلة لتحكّم “حزب الله” بقرارها، وخضوع بعض وزرائها لـ”التيّار الوطني الحرّ” إلى درجة عدم القدرة على الإستقالة، كانا كافيين لاستنزافها وحرقهم، وللفشل الذريع.
لكن اختلاف أديب بالمعنى الإيجابي عن دياب بالسيرة وبالعقلية والخلفية، لا يكفي من أجل توقّع إنجازات من حكومته العتيدة، التي على نوعية وزرائها سيكون الحكم الأولي حول قدرتها على ترجمة المطلوب منها إلى أفعال. وقد يكون على الحكومة الجديدة ورئيسها، أن تثبت قدرتها على استعادة شيء من التوازن الذي استمرّ اختلاله في الحكم منذ التسوية الرئاسية التي أنجبت رئاسة العماد ميشال عون، ومكّنت “حزب الله” من إدارة الدفّة بغطاء مسيحي وتسويات ظرفية. والثمن لكل ذلك كان التغطية على الفساد وإتقان توزيع المسؤولية عنه (مصدر شعار “كلّن يعني كلّن”)، باسم الخيارات الإقليمية التي ورّطت لبنان في خصومات عربية زادت من عزلته.
قد يقال إنّ استعادة التوازن تتطلّب انتخابات نيابية مبكرة، تقترح الأفكار التي نقلت عن الجانب الفرنسي أن تتمّ في أيار 2021، ودونها التوافق على قانون انتخاب جديد. وإنجاز ذلك لا يُعقل أن يكون على كاهل مصطفى أديب. ومع صحّة الحاجة إلى توافق بين الفرقاء الرئيسيين على الإنتخابات، قد يُقال أيضاً من أين لرئيس الحكومة الجديد الآتي من موقع غير سياسي أن يستعيد هذا التوازن الذي اختلّ في ظلّ رئاسة الزعيم السنّي الأقوى سعد الحريري لحكومتين ثم مع دياب؟
الجواب في المسار نفسه الذي قاد إلى تسمية مصطفى أديب، كشخصية استقلالية ووسطية سمعتها طيبة. وهو المسار الذي يجب ألا يعاكسه تأليف الحكومة، أو يتجاهل وقائعه.
إخلال تحالف عون – “حزب الله” بالتوازن أصيب بنكسات منذ بدء الإنهيار الإقتصادي المالي المُتعدّد الأسباب، باندلاع ثورة 17 تشرين والنقمة الشعبية على الطبقة السياسية، وهما في طليعتها، وبتآكل شعبية الأول ومبادرة الكنيسة إلى طروحات مناقضة لالتزاماته، وتراجع هيبة القوة المسلّحة عند الثاني تدريجاً منذ حينها وتحوّلها مشكلة يومية، وصولاً إلى تصاعد النقمة على كلّ منهما بعد كارثة انفجار المرفأ الزلزالية في 4 آب، وعدم قدرتهما على حماية حكومة دياب واضطرارها للرحيل، مروراً بحكم المحكمة الدولية إدانة مسؤول في “حزب الله” بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، انتهاءً بالإندفاعة الدولية نحو لبنان، ولا سيّما الفرنسية لاحتضان مأساته… يُضاف إلى هذه العوامل أنّ أديب حظي بقوة دعم طائفته الناقمة منذ سنوات على استسهال استضعافها، بعد اختياره من رؤساء الحكومات السابقين… في شكل يؤهّله أن يؤلّف حكومة لا تشبه الحكومات السابقة، لا بعودة قواها الشرهة على التسلّط والإنتفاع، ولا باستتباع قرارها لإيران. أمام أديب فرصة، أن يواكب “الرهان المحفوف بالمخاطر” الذي أخذه إيمانويل ماكرون على نفسه.