Site icon IMLebanon

مصطفى أديب ومصطفى الكاظمي

 

أعاد تكليف السفير مصطفى أديب تشكيل الحكومة المسار الدستوري الى نصابه، بعد تريّث غير مبرّر تلى استقالة الرئيس حسان دياب. فشل فريق حزب الله- جبران باسيل في إنتاج مرشّح من «حواضر البيت» لتشكيل الحكومة، أو في تكريس بدعة التسميّة قبل الإستشارات وربما التأليف قبل التكليف. تلقُف إسم السفير أديب بمجرد إعلان رؤساء الحكومات السابقين عنه ومسارعة السير به قُبيل وصول الرئيس الفرنسي ماكرون ليس وليد صحوة وطنية مفاجئة لدى مكوّنات سلطة الفشل الدائم. تكليف السفير أديب مثّل سُلم خلاص بشروط دولية لإنزال السلطة» عن المئذنة»، هي التي تحاول التخلص من تبعات فشل حكومة حسان دياب والتي تلاحقها تفاصيل جريمة تفجير مرفأ بيروت.

 

عناوين عديدة هبطت على منظومة السلطة القائمة، فبدأ تداولها وتسويقها وهي لم تكن يوماً من أدبياتها بل تناقض كلّ خطابها. أصبحت الدولة المدنيّة بقدرة قادر مطلباً عارماً وجامعاً. الرئيس ميشال عون ينادي بالدولة المدنية، ويسابقه الى ذلك الرئيس نبيه بري، فيما يدعو أمين عام حزب الله الى عقد سياسي جديد دون أن تحدّد معالمه وموجباته، وماهية الثغرات التي اكتشفها الحزب في الطائف ويريد تطويرها. الطائف الذي أجمع عليه اللبنانيون كان في متناولكم جميعاً وقد وضعت المادة 95 منه الأسس والخطة المرحلية لبناء الدولة المدنية، فلماذا أمعنتم فيه تجاوزاً وكرستم أعرافاً خارجة عنه أخذت السيادة الوطنية والإقتصاد الوطني وقيم الحرية وتكافؤ الفرص الى المجهول، وما هي اسباب صحوتكم؟

 

كيف يمكن أن نقبل مناداتكم بالدولة المدنية فيما تقبع في أدراج رئاسة الجمهورية مراسيم التعيينات لموظفين دون الفئة الأولى لعدم استيفائها شروط التوازن المذهبي، وفيما تحوّلت التعيينات الإدارية معكم إلى بازار طائفي وسياسي يخضع المواطنين لزبائنية يديرها وزراء قوى الأمر الواقع. وكيف يمكن أن نقبل دعواتكم للإصلاح في «مسرحية التسميّة» بعد تجربة مريرة من المحاصصة أفلست لبنان وجوّعت اللبنانيين؟ وكيف يمكن أن نقبل أنكم تريدون سيادة القانون فيما الحوار المتوفر هو حوار الدراجات النارية المتنقل والهتافات المذهبية التي تهدّد، في كل مكان السلم الأهلي وحرية التعبير والإقامة والتنقل بأمان، والتي كانت آخر فصولها الديماغوجية في ساحة الشهداء والدموية في خلدة؟.

 

كيف يمكن أن تجمع حكومة ستسمّى إنقاذية بين منطق يقول إنّ قرار السلم والحرب هو قرار تتّخذه الحكومة اللبنانية بأكثرية الثلثين بموجب المادة 65 من الدستور، وبين منطق يتمسّك بالسلاح ويخوض حروباً في المنطقة تحت شعارات الممانعة، ويدّعي إنتصارات وهمية في سوريا والعراق واليمن التي لم تعدّ أكثر من نماذج لسلطات مغتصبة وقوى أمر واقع تعتاش على الخارج وشعوب مشردة في كلّ أصقاع الأرض.

 

يواجه تشكيل الحكومة منطقين متناقضين في السياسة والإقتصاد والأمن يتوزعها حزب الله وتيار رئيس الجمهورية ومن يدور في فلكهما من جهة، فيما يمثّل المنطق الآخر كلّ من يتمسّك بتطبيق الطائف ويتشبث بالسيادة الوطنية، ويستحيل الجمع بينهما في الظروف المحلية المتاحة دون توفير محفّز(Catalyseur)دولي. الإنقسام والإبتعاد بين المحورين يزدادان تجذراً وحدةً لا سيما مع وقوف مرجعيتين دينيتين، البطريركية المارونية وحزب الله في مقدّمة طرفي النزاع. ففيما يرفع البطريرك الراعي سقف المواجهة السياسية من باب المحافظة على الكيان والدولة والسيادة وقرار السلم والحرب، تتعرّض  البطريركية لحملة تخوين نتيجة مواقفها السياسية ويقدّم الفريق الآخر نفسه كنموذج يُحتذى ويجب تعميمه، ويتحوّل ما يجري الى موقف كياني يعيد النظر بصياغة لبنان كوطن.

 

إنّ الواقعية السياسية تقتضي النظر إلى الإمتثال اللبناني وآحاديّة التسميّة وكلّ العناوين التي تُطرح على أنها جزء من وصفة أوروبية لحلّ الأزمة اللبنانية، مقبولة وتحظى بفترة سماح أميركية. إنّ الرهان على نجاح المحاولة لا يتعلّق بقناعة قوى الهيمنة على لبنان بالحل، أو بقدرة رئيس الحكومة المكلف على اجتراح الحلول، وإقناع عتاة قوى الأمر الواقع بذلك ــ هو الطارىء على عالم مصالحهم المشتبكة ــ بل على مدى القدرة الدولية على فرض الحلول بالرغم من تعقيدات المشهد الإقليمي.

 

التاريخ يشهد أنّ الداخل اللبناني عجز دائماً عن إنتاج أي تغيير حقيقي بعناصر محليّة. والقاعدة الناجعة دائماً وأبداً هي تسليم الأمر للخارج والرضوخ له. هذا ما حصل في كلّ المحطات في السنوات منذ الإستقلال في 1943، مروراً بحلف بغداد وأحداث 1958، واتّفاق القاهرة وإنفجار الحرب الأهلية ودخول قوات الردع العربية 1976 ، وصولاً لكلّ التسويات السياسية التي كان آخرها تسوية الدوحة والتسوية الرئاسية الأخيرة.

 

المشهد العراقي الذي اعتمد الوصفة الأميركية وأتى على خلفيّة إغتيال قاسم سليماني، إعتمد مع السيد مصطفى الكاظمي خارطة طريق، ابتدأت بحماية حركة الإعتراض الشعبي وإحالة الأمنيين الى القضاء، ثم الإمساك بالمعابر الحدوديّة وإقفال مكاتب الميليشيات غير الشرعية ودعوة العراقيين الى إنتخابات مبكّرة لإنتاج سلطة جديدة.

 

الحكومة المنتظرة، بعيداً عن إسم الرئيس المكلّف مصطفى أديب هي التسويّة الاوروبية المعروضة، فهل ترضخ قوى الأمر الواقع لها كمنتج من خارج الحدود وبأية شروط ، أم نذهب الى الوصفة الأميركية التي ستكون حكماً أكثر كلفةً…..

 

العميد الركن خالد حمادة

 

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات