مات الرّجل «ذو الساق الخشبيّ»، الذي بترت ساقه في السجن في الكويت، والذي ألقيَ عليه القبض مع سبعة عشر متهماً آخر بعد شهر واحد من تنفيذه سبعة تفجيرات في الكويت وقعت في يوم واحد في 13 كانون الأول 1983، وسواءً قُتِلَ مصطفى بدر الدّين في العاصمة السوريّة دمشق، أم سقط في خان طومان في حلب، فالنتيجة واحدة لقد طُوِيَتْ بمقتَلِه، مساء الخميس الماضي، الصفحةٌ الأولى والأبشَع من صفحات الإرهاب الإيراني في المنطقة العربية، بعدما طوى مقتلُ عماد مغنيّة في 12 شباط من العام 2008 الصفحة الثانية والأكثر بشاعة من تاريخ إرهاب حزب الله، سواء أرفق الحزب إسميْهما بلقب من عيار «القائد الجهادي الكبير» أم بصفة «شهيد» أم بأسماء حركيّة أو مستعارة كانت ضروريّة لإخفاء اسميْ إرهابيّيْن مطلوبيْن في طول العالم وعرضه!!
وسواء أأعلن حزب الله اليوم أنّ بدر الدّين قًتِل بصاروخ غارة إسرائيليّة وهدّد بالردّ، أم أنّه قُتِلَ بانفجار استهدفه في دمشق، وهو الأرجح، لسرعة نقل جثّته إلى بيروت، فالمؤكّد أنّ حزب الله مخترقٌ حتى أذنيْه بالعملاء، وأنّ عميلاً ما كشف مكان وجود بدر الدّين كما كشف آخرٌ من قبل مكان وجود عماد مغنيّة التوأم الروحيّ لبدر الدّين، وفي كلّ الأحوال النتيجة واحدة، وتشي بأنّ حقبةَ إيرانيّة شارفت على الانتهاء في المنطقة ولم يتبقَّ من أسمائها سوى الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، والسيّد حسن نصرالله أمين عام حزب الله، وتبقى وفاة علي الخامنئي سطر الختام في مسارٍ إرهابيٍّ حكم المنطقة بالاغتيالات والتفجيرات والشاحنات والسيارات المفخّخة وخطف الرّهائن والطائرات منذ مجيء الخميني إلى السلطة في شباط العام 1979 في طهران راعية الإرهاب الدوليّ والوريثة الشرعيّة لأشهر المنظمات الإرهابيّة في حقبة السبعينات!!
أمام «مَقْتَل» ـ وهو نفس المفرد الذي استخدمته قناة المنار لإعلان نبأ اغتيال الرئيس رفيق الحريري ـ مصطفى بدر الدّين بدا اللبنانيّون أكثر من فريق، واحدٌ عَبّر علناً عن مشاعره من دون أدنى خوف معتبراً أنّها نهاية طبيعيّة لرجل احترف قتل الآخرين مهنة، وفريق أَسِفَ لكون بدر الدّين قُتِل قبل أن يصدر بحقّه حكم المحكمة الدوليّة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وفريق بدا كالمضروب على رأسه وهم جماعة حزب الله، وفريقٌ شّكّكَ في مَقْتَلِ بدر الدّين، متخوّفاً من أن تكون العمليّة برمتّها لتهريبه من المحكمة الدوليّة، وهذه مخاوف غير مقنعة وغير مبرّرة، لأنّ بدر الدّين لم يكن بالإمكان إلقاء القبض عليه واقتياده إلى سجن بتصنيف 7 نجوم في هولندا!!
ما بين 14 شباط العام 2005 تاريخ اغتيال الرئيس رفيق الحريري و12 شباط من العام 2008 تاريخ مَقْتَل عماد مغنيّة بعمليّة موساد نوعيّة نُفّذت في دمشق في مربع للمخابرات السوريّة في منطقة كفرسوسة، وبين 19 تشرين الأول من العام 2012 تاريخ اغتيال اللواء وسام الحسن وبين 12 أيار تاريخ مَقْتَل مصطفى بدر الدّين، لائحة من الاغتيالات على الأقل حضر اسم مصطفى بدر الدين بوضوح في اغتيال الرئيس رفيق الحريري واللواء وسام الحسن، ودُفِنت مع بدر الدّين خزانة من الأسرار من زمن الخميني، سيبقى الزمن كفيلٌ بكشفها مهما طال، «فما من خفيّ إلا ويظهر»، وبشارة القاتل في كلّ الأديان هي القتل.
الخميس الماضي قُتِل رجالٌ عدّة بأسماء عدّة في رجل واحد، فقد قُتِلَ في آن معاً مصطفى بدر الدين أمين والياس فؤاد صعب وسامي عيسى صافي بدر، ويظلّ مصطفى بدر الدّين وعملية تفجير السفارة الأميركيّة التي نفّذها في الكويت عام 1983 أقوى دليل على أنّ الذراع العسكري للخميني ولطهران لم يكن مقاومة أبداً، ففي هذه الحقبة كانت المقاومة اللبنانية هي التي تنفّذ عمليات تستهدف جنود الاحتلال في الجنوب اللبناني، بل هو ميليشيا إرهابيّة تنفّذ مخططات إيران الإرهابيّة في المنطقة والعالم وفي لبنان أيضاً!!