IMLebanon

«عدوان نيسان»: أوراق مصطفى بدر الدين الصاروخية

    

يشكّل عدوان نيسان في العام 1996 إحدى أبرز المحطات في تاريخ الشهيد مصطفى بدرالدين. تنشر «الأخبار» بعضاً من تفاصيل إدارة وتقييم هذا القائد العسكري لتلك المواجهة بكل تفاصيلها. مواجهة «ليتها كانت برية»، أسّست للتحرير العام 2000 ولنصر تموز 2006

 

قُدّر لـ«القائد العسكري المركزي» في حزب الله مصطفى بدر الدين أن يقود عمليات المقاومة طيلة عدوان نيسان 1996. في اليوم الأول (11 نيسان) من «عناقيد الغضب» استهدف العدو الإسرائيلي مقر القيادة العسكرية للحزب حيث كان يتواجد. الصاروخ أصاب غرفة مجاورة لمكان «السيد ذو الفقار». خرج الرجل ناجياً من بين الغبار في «مبنى الـ53» في حارة حريك.

أراد العدو تحقيق ثلاثة أهداف سريعة: ضربة تقصم ظهر حزب الله من خلال اغتيال القائد العسكري، 2) تدمير مخازن الصواريخ، 3) تدمير منصات الرماية الأساسية. فبالتزامن مع ضرب مركز القيادة شرع باستهداف مستودعات في البقاع والجنوب افترض أنها تحوي الترسانة الأكبر من الصواريخ، واستهدف أيضاً نقاطاً متعددة بهدف تدمير الراجمات خصوصاً في منطقة إقليم التفاح. اعتبر العدو أنه بهذه الضربات ستتقلّص القدرة الصاروخية للمقاومة على نحو كبير.

«في 1996 كان لدى القيادة العسكرية تصوّر مسبق لما يمكن أن يفعله الإسرائيلي وكيف يمكن أن نواجه»، يروي قيادي كبير في المقاومة عايش تلك الفكرة. يضيف «حزب الله منذ تأسيسه لديه المرونة والقابلية والجهوزية اللي ما بتخلّيه يروح بضربة… وهو ليس بحاجة ليستنفر ثم يتحرك… هو قام بالأصل على فكرة الجهوزية الدائمة». هذا التصوّر جاء بعد استخلاص العِبر من عدوان أيلول 1993 («تصفية الحساب»)، ما أتاح لقيادة المقاومة إدارةً أسهل وأفضل في خلال مواجهة نيسان. في العام 1993 اعتقد العدو الإسرائيلي أنّ القدرة الصاروخية للحزب تكفي ستة أيام فقط، وبعد خطأه هذا أوقف الحرب في اليوم السابع بعد تفاهم أوصل لمعادلة بيروت – كريات شمونة. تقدير المقاومة أن سلبيات جيش العدو في 1993 تمثّلت في نقص المعلومات وخطأ التقدير الاستخباري، وأنه لم يكن لديه سلاح لمواجهة تكتيك رماية الكاتيوشا.

في حرب 1996 تعاملت القيادة العسكرية الإسرائيلية على أنها رمّمت هذه الثغر، وعماد هذا الترميم استقدام مروحيات «اباتشي» التي تُعرف بـ«قناصة الراجمات»، والتي لديها قدرة رماية بسرعة كبيرة عن بعد 8 كلم، وقدرة مناورة عالية.

بدأ عدوان 1996 كنسخة كربونية معدّلة عن العدوان السابق. قيادة المقاومة بدورها وضعت مبدأ استمرار النار بوتيرة مدروسة ومتصاعدة. بعد مرور ستة أيام أصبحت قيادة العدو مجبرة على أن تطيل الحرب، رغم معرفتها باستحالة تعطيل قدرة الحزب الصاروخية. الحرب كانت مواجهة صاروخية – صاروخية، وليست اجتياحاً برياً بالأصل. رغم ذلك لم تتعامل المقاومة مع أي حركة للعدو بحسن الظن، كالكلام عن إدارة المعركة وحسمها من الجو وعبر القصف البري والبحري (الزوارق الإسرائيلية وصلت قبالة شواطئ بيروت). كانت حسابات المقاومة هي الجهوزية لأي خطوات براً. هنا جاء اعلان التبعئة العامة على لسان السيد حسن نصرالله لمواجهة أي تصعيد محتمل، امتداداً من خط المواجهة الأول في الجنوب وصولاً إلى البقاع. كذلك تم التحسب والاستعداد لمواجهة أي انزال. إذ استنفرت مجموعات الاستشهاديين للتعامل مع أي من «الأعمال المختلفة» التي قد يقوم بها العدو. وحتى لا تحصر المقاومة المواجهة بالنار فقط، ذهبت إلى مهاجمة مواقع عسكرية عديدة في الشريط الجنوبي المحتل.

رغم ذلك لم تجرؤ إسرائيل على أي عملية بريّة. «كنا نعرف كيف نناور مع العدو، متى نقصف وأين نقصف، لذلك لم يلمس الإسرائيلي أي تقهقر وانكفاء… تكتيكنا كان خفيفا جداً وذكيا ومناورا»، قال بدر الدين عن معركة «ليتها كانت برية».

إدارة النيران وصمود المقاومين يوضحهما القائد العسكري في جلسة تقييمية بعد الحرب مباشرة: «كان الاخوة مجرد أن يطلع الصاروخ حتى ينهال خلال دقائق، وبعض منها خلال ثوان، نيران عجيبة من المروحي والحربي والمدفعي. في المربّع الذي فيه المنصة المحتملة تُفتح عليه النار من كل حدب وصوب». وأضاف «سعى العدو بكل ما أوتي من شراسة بأن يضرب كل بطاريات الصواريخ». واحدة من مظاهر الفشل الكبير الذي مُنيَت به إسرائيل ما افتخر به القائد الشهيد أمام ضباط المقاومة الجالسين أمامه: «حتى اليوم السادس للمعركة سقط عندنا الشهيد الاول. مع مئات الغارات والاف القذائف… تصوّروا كل ما تمشي 100 متر عم تاكل صاروخ 1000 باوند (نحو 450 كلغ) وتروح تكفّي وتضرب». أشير إلى معادلة بسيطة عنوانها الثبات: «العدو مالك علينا الأرض والسماء ونحن كان لدينا شغلة واحدة، الثبات».

 

 

تصميم: سنان عيسى

 

من عوامل نجاح المقاومة في إدارة المعركة كان «التكتيك في رماية الصواريخ»، أو ما سمّاه بدر الدين حينها «بكل فخر الردع الصاروخي… ما عاد قصة رمية صاروخ، في توازن رعب حقيقي فرضه شي اسمو الردع الصاروخي». هذا الردع جاء عبر «التكتيك والمداورة في النيران». وأضاف: «موضوع قصف المستعمرات عندما تجيد استخدامه شفنا كيف فرض توازن الرعب، لمّا تفوت بالعبري على بيوتهم وتقول لهم انتو كلكم بخط العرض 33 لبرّا (100 الف نسمة)».

مسألة تحويل صاروخ بدائي إلى أداة أنتجت توازناً عسكرياً، يشرحها قيادي في المقاومة اليوم: «ببساطة، مُستخدم الصاروخ هو من حوّله إلى توازن رعب، عندنا ضعف سلاح وقوة إرادة مقابل قوة سلاح وضعف إرادة عند العدو».

من هنا يظهر الوهن الذي أصاب سكان المستوطنات في مجال أبدع بدرالدين في استخدامه: الحرب النفسية. تهجير سكان مستعمرات شمال فلسطين المحتلة كان أيضاً ثمرة هذه الحرب عبر المقاطع المصوّرة التي أشرف على فكرتها وتنفيذها وصولاً إلى «إطلاق سرايا الاستشهاديين« وكيفية اظهار «رعبهم».

تصوّروا كل ما تمشي 100 متر عم تاكل صاروخ 1000 باوند وتروح تكفّي وتضرب

 

ماذا حققت إسرائيل؟ قال ذوالفقار إنه أمام «هدف العدو في ضرب بنية حزب الله، الحزب بقي قوياً متماسكاً وكل أجهزته تعمل»:

– عن تدمير البنية العسكرية: لم يدمر أي مخزن، ولم يقتل أي قيادي ولم تتوقف العمليات والقصف على المستعمرات.

– عن شرخ بين المقاومة والشعب: فشل فشلاً ذريعاً ورأينا النتائج على الاعلام.

– فرض معادلة جديدة على المستوى العسكري (محل معادلة تموز 1993 القائمة على قاعدة «لا تقصفوا مدنيينا فلا نقصف مستوطنيكم»، أو معادلة بيروت – كريات شمونة، حلّت معادلة تمنع عملياً قصف المدنيين وتُشرف على تطبيقها لجنة دولية): في النتيجة «ابتلى (العدو) بتفاهم يا محلا تموز».

ماذا حققت المقاومة؟ «الحفاظ على البنية العسكرية، وعلى الاسناد الناري والصاروخي، قدرتنا في نيسان كانت أكبر من تموز وفي الحرب المقبلة ستكون أكبر، واسقاط معادلة بيروت – كريات شمونة».

في حرب «بدأت بصواريخنا وانتهت بصواريخنا» يُترجم القائد فعلياً الورقة السياسية المهمة التي انتزعتها المقاومة بـ«تفاهم نيسان». فبين تل أبيب وباريس وواشنطن كان العدو يبحث عن إخراج سياسي على طريقته للحرب، فيما كان الأمين العام لحزب الله يمسك أوراق بدرالدين الصاروخية ويُعلن من دمشق توقيته الخاص لوقف الحرب بتفاهم حصّل أوراق قوة للحزب بعد صلية أخيرة على المستعمرات «حسب ساعة ذوالفقار».

 

من ملف : أوراق مصطفى بدرالدين