لرفاقه هو ذو الفقار، تيمناً باسم السيف الذي أهداه علي بن أبي طالب للنبي محمد . وللحكومة الكويتية هو المسيحي الياس فؤاد صعب الذي حكمت عليه بالإعدام عام 1984 في إطار عملية “الكويت 17 ” التي شملت سلسلة من سبعة تفجيرات مُنسَّقة في الكويت أودت بستة أشخاص وتسببت بجرح ما يقارب تسعين آخرين. أما للبنانيين فمصطفى بدر الدين الذي أعلن “حزب الله” مقتله في غارة جوية إسرائيلية على الحدود اللبنانية – السورية، هو خصوصاً المتهم الرئيسي الذي يحاكم غيابياً أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.
كل ذلك جعل منه “شبحاً” بالنسبة الى كثيرين، بمن فيهم المحكمة الدولية التي توصلت إلى اقتناع بأن بدر الدين هو سامي عيسى “مالك سلسلة من محال الصاغة والمجوهرات في بيروت، وشقة في جونية مسجلة باسم شخص آخر، ويخت مسجل أيضًا باسم رجل آخر، ويقود سيارة مرسيدس ثمينة، مسجلة هي أيضًا باسم شخص آخر، وكان زير نساء، وشوهد مرارًا في المطاعم والمقاهي مع أصدقائه”.
وهو أيضا صافي بدر الذي قالت وزارة الخزانة الأميركية إنه يقود التدخل العسكري لـ”حزب الله” في الميادين السورية، ويحضر شخصيًا الاجتماعات التي تعقد في حضور رئيس النظام السوري بشار الأسد، أو الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله.
وفي بروفايل طويل، وصف الصحافي والمدون البريطاني ألكس رويل، القيادي في “حزب الله” بأنه زير نساء مولع بالنار، في ما يعكس حياة صاخبة لقيادي بقيت حياته لغزاً كبيرا.
فالواضح أن بدر الدين حرص دائماً على عدم ترك أثر خلفه. وعنه قال المدعي في المحكمة الخاصة بلبنان غرايمي كاميرون:” يتحرك مثل شبح لا يمكن إدراكه، ونظرياً يستحيل تعقبه داخل لبنان فهو لا يترك أي أثر ولم يستخرج يومًا جواز سفر، ولا رخصة قيادة، وليس ثمة عقار مسجل باسمه في لبنان، ولا تملك السلطات أي معلومات عن دخوله إلى لبنان أو خروجه منه، ولا بيانات في وزارة المال تفيد بأنه دفع الضرائب يومًا، ولا حسابات مصرفية باسمه. فهو غير موجود، أو شبح لا يمكن اقتفاء أثره في لبنان”.
ابن عم مغنية
رسمياً، هو ابن عم عماد مغنية وشقيق زوجته، مولود بحسب مصادر عدة في الغبيري بالضاحية الجنوبية. وبينما تتحدث تقارير عن أنه درس العلوم السياسية بين 2002 و2004 في الجامعة اللبنانية الأميركية، نفى أساتذة درّسوا في الجامعة في تلك الحقبة أن يكونوا التقوا شخصاً يدعى سامي عيسى. وصعد نجمه في “حزب الله” بعد اغتيال القيادي البارز في الحزب عماد مغنية في شباط 2008.
واستناداً الى صحيفة “النيويورك تايمس” الاميركية كان “سامي” مهووساً جداً بالنساء الى درجة أنه رفض عام 2009 أوامر من “الحرس الثوري ” بتجنب الاطلالات العامة لفترة، قائلة إنه أصر على مواصلة حياة البذخ مستخدماً اسم سامي عيسى.
عقوبات وزارة الخزانة
أضافته وزارة الخزانة الأميركية عام 2012، مع طلال حمية، وهما “قائدان إرهابيان بارزان في حزب الله” إلى قائمة الإرهابيين التي تصدرها الوزارة “لتوفيرهما الدعم لأنشطة حزب الله الإرهابية في الشرق الأوسط وجميع أنحاء العالم”. وفي آخر الاجراءات الأميركية ضده ، ورد اسمه في قائمة من مجموعة قادة كبار لـ”حرب الله” أبرزهم الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله والتي يستهدفها قانون مكافحة ومنع تمويل “حزب الله”، الذي صدر نهاية العام الماضي.
“الكويت 17“
يدين مصطفى بدر الدين بحياته لقرار الزعيم العراقي الراحل صدام حسين غزو الكويت. ففي حينه كان أحد المدانين بسلسلة عمليات إرهابية في الكويت والذين حكم عليهم بالإعدام في آذار 1984.
وشملت الأهداف السفارتين الأميركية والفرنسية، ومطار الكويت، وشركة “رايثيون”، ومنصة البترول لـ “شركة النفط الوطنية الكويتية”، ومحطة كهرباء مملوكة للحكومة. وقد تم إحباط هجوم آخر خارج مكتب للبريد.
كانت تلك التفجيرات، وفقاً لماثيو ليفيت، مدير برنامج ستاين لشؤون الاستخبارات ومكافحة الإرهاب، بمثابة صدمة للمسؤولين الكويتيين، إلا أنه كان ممكناً أن يكون الدمار أكثر سوءاً لو ربطت القنابل التي استخدمت في ما بات يعرف بعملية “الكويت 17” بالأسلاك بشكل صحيح.
في حينه، يضيف ليفيت، حدّ التخطيط السيئ من القدرة التدميرية للهجمات. فقد كانت هناك حافلة تحمل 200 أسطوانة غاز معدة للانفجار في موقع “الشركة الوطنية للبترول”، إلا أنها انفجرت على بعد 150 ياردة من مصفاة نفط وعلى بُعد ياردات قليلة من كومة المواد الكيميائية القابلة للاشتعال. و”لو تم تخطيط العمليات بمهارة أكبر لربما كان سينجم عنها أيضاً تدمير محطة تحلية المياه الرئيسية في الكويت، الواقعة ضمن المنشآت، الأمر الذي كان سيترك تلك البلاد الصحراوية من دون أي مياه صالحة للشرب تقريباً”.
وفي النهاية، سُجِن سبعة عشر إرهابياً مداناً في الكويت، بمن فيهم أعضاء من “حزب الله”. وعلى مدار السنوات التالية، نفذ الحزب العديد من الهجمات الإضافية، في الداخل والخارج، سعياً منه إلى إطلاق أعضاء سُجنوا لقيامهم بتلك التفجيرات.
وأقر نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم في حينه أن واقعة “الكويت 17″، “كانت الشرارة الأولى لفكرة الرهائن، من طريق الضغط لإطلاق أسرى في إسرائيل وأماكن أخرى”.
وكان بدر الدين أحد أولئك المُدانين الذي حُكم عليه بالإعدام، إذ كان ينشط في الكويت مختفياً تحت الأسم الحركي المسيحي الياس فؤاد صعب. وعند صدور الحكم، هدد الحزب بقتل بعض رهائنه في حالة تنفيذه.
ويسود اعتقاد أن خطف رئيس مركز وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي اي اي” في بيروت، وليم بكلي، في ذلك الشهر نفسه، فضلاً عن عمليات خطف أخرى في النصف الثاني من عام 1984، كانت رداً مباشراً على اعتقال مُفجري عملية “الكويت 17” وإصدار أحكام ضدهم.
فعند مناقشة احتمالات إطلاق الرهائن الأميركيين، أوردت مذكرة صادرة عن وكالة الاستخبارات المركزية أن “مغنية كان يربط دائماً مصير رهائنه الأميركيين بالإفراج عن السبعة عشر إرهابياً شيعياً في الكويت، وليس لدينا أي مؤشرات بأنه غيّر هذا المطلب”.
هرب من السجن
وعندما غزا العراق الكويت عام 1991 ، أخلت قوات صدام السجون ونجح بدر الدين في الهرب إلى السفارة الإيرانية في الكويت. وأوردت تقارير في حينه أن ” الحرس الثوري ” سهل سفره إلى إيران وعودته إلى لبنان حيث نشط مع مغنية، ليس في جنوب لبنان فحسب، وإنما أيضاً على جبهات عدة جديدة، بما فيها “الوحدة 1800” التي أسست في تسعينات القرن الماضي لمساعدة “حماس” وفصائل فلسطينية أخرى في عملياتها ضد اسرائيل.
وعند اغتيال مغنية في شباط 2008 ، يقول ليفيت، خلفه بدر الدين في رئاسة الأجنحة العسكرية والإرهابية لـ “حزب الله”.
وفي حزيران 2011، أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قراراً اتهامياً بحق بدر الدين وثلاثة عملاء آخرين من “حزب الله” لدورهم في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
واكد المدعي كاميرون أن المتهمين أسد حسن صبرا وحسين حسن عنيسي متواطئان، لافتاً الى أن مصطفى بدر الدين وسليم عياش حضّرا لاغتيال الحريري قبل 3 أشهر، واشار الى ان عياش كان مسؤولا عن مراقبة الحريري وعن شراء شاحنة المتسوبيشي، اما صبرا فشارك في ايجاد الشخص المعروف بـ”أبي عدس”، وبدر الدين استعمل 13 خطاً خلوياً من 1997 الى 2009.
وبينما تستمر محاكمته غيابياً، أفادت تقارير أنه شوهد في الضاحية الجنوبية لبيروت مطلع السنة الماضية، في تشييع جهاد مغنية، نجل عماد مغنية، الذي قضى بغارة اسرائيلية في سوريا.