الى حين وصول الفيلم الحكومي الهندي الطويل الى نهايته المجهولة، تتوالى دراما التشكيل فصولاً، وتزداد الحبكة تعقيداً، في انتظار الاتفاق او الفراق.
كلما تأخر تشكيل الحكومة اتّسع المجال أمام شتى انواع التأويلات، وازداد اقتناع البعض بأن الحكومة تُعلن في بيروت ولكن لا تُصنع فيها فقط. وبالتالي، فإنّ عدم اكتمال نصابها الاقليمي والدولي هو الذي حال حتى الآن دون تشكيلها.
الا ان هناك بين المطلعين مَن يعتبر ان النظرية القائلة انّ ولادة الحكومة متوقفة على ضوء أخضر خارجي لم يتوافر بعد، قد تكون نصف الحقيقة لا كلها، إذ يوجد نصف آخر ربما هو اكثر تعقيداً ويتمثل في البعد الداخلي للمأزق الراهن.
ويُنقل عن احد المواكبين لما يدور في «أنفاق» التفاوض ان الرسائل الأميركية التي تحض على الإسراع في التأليف، والتقاطعات الإيرانية الفرنسية التي عكسها الاتصال الايجابي بين الرئيسين الإيراني والفرنسي، والمساعي الكاتمة للصوت المبذولة من قبل «حزب الله» بكل ما يمثّله… كلها يمكن أن تتعثر بحقيبة وزارية هنا أو بإسم مرشح للتوزير هناك، تحت وطأة الهواجس المتبادلة، خصوصا ان قوى عدة تتصرف ضمناً على اساس انّ الحكومة المقبلة قد لا تكون كناية عن مجلس وزراء فقط بل قد تصبح مجلساً رئاسياً كذلك، اذا تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية في الموعد الدستوري بعد نحو عام، ما يفسر النزاع الحاد على تركيبتها وتوازناتها.
وفيما يسعى اللواء عباس ابراهيم، الخبير في تحرير المخطوفين، الى إطلاق سراح الحكومة، دخل حيّز التداول أخيرا اسم صهر طه ميقاتي (شقيق الرئيس نجيب ميقاتي) القنصل الفخري في موناكو مصطفى الصلح، الذي قيل انه يساهم في الوساطات عبر التواصل مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، ما دفع البعض الى الاستنتاج بأن الحكومة باتت معلقة على صهرين وليس واحداً فقط.
إلا انّ قريبين من ميقاتي يلاحظون نوعاً من التضخيم لدور مصطفى الصلح، وصولاً الى إطلاق «معادلة الصهرين»، لافتين الى انّ «القصة وما فيها هي انّ الرجل يرتبط بصداقة قديمة مع باسيل، وصودِف انه موجود في لبنان خلال هذه الفترة، فزار رئيس التيار وجرّب ان يفعل شيئاً، من دون أن يتوصل الى نتيجة حاسمة».
ويؤكد هؤلاء انّ هذه هي حدود المسألة، لا أكثر ولا أقل، ولكنها أخذت بُعداً يفوق حجمها الحقيقي وجرى تحميلها اكثر مما تتحمّل في سياق كثيرٍ من الامور المتداولة التي لا صلة لها بالحقيقة.
وبمعزل عما اذا كان الرئيس ميشال عون والنائب باسيل يسعيان الى انتزاع الثلث المعطل ام لا، وبمعزل عما اذا كان هذا الأمر الملتبِس هو الذي عرقل ولادة الحكومة ام لا، يبدو واضحاً ان رئيسي الجمهورية والتيار اتخذا قراراً بعدم تسليم «رقبة» الحكومة الى ميقاتي وسعد الحريري وحلفائهما ووضعها تحت رحمتهم في السنة الأخيرة من العهد، كما يؤكد العارفون الذين يلفتون الى انّ عون وباسيل يعتبران ان من واجبهما ضمان التوازن الدقيق في مجلس الوزراء وتأمين الحماية المشروعة لهما ولحقوق المكون المسيحي في مواجهة خصوم الداخل والخارج.
ولعل عون وباسيل لا يجدان اي مبرر للانكسار او للإفراط في التنازلات بعد اقتراب ماكرون من طهران، وهروب الأميركيين من افغانستان واضطرارهم الى كسر الحصار على سوريا للسماح باستجرار الغاز المصري الى لبنان عبر أراضيها، إذ انهما يفترضان، على الارجح، انّ هذه الوقائع الإقليمية والدولية ليست في مصلحة الفريق المحلي المناوئ لهما، وبالتالي لا مسوّغ لإعطائه مكاسب مجانية تتعارض مع واقع موازين القوى الحالية.
في المقابل، تُنبّه اوساط معارِضة للخط البرتقالي الى ان هذا النوع من المقاربات ليس في وقته ولا يتناسب مع ظروف البلد المنهار الذي يحتاج إلى معالجات استثنائية وشُجاعة، بعيداً من حسابات الربح والخسارة التي قد يصح اعتمادها في الأوضاع الطبيعية لا الكارثية، إذ ما النفع ان يفوز طرف ويخسر البلد برمته؟ واين يمكن أن يُصرف عندها الربح الفئوي اذا تحقق؟