Site icon IMLebanon

الردع المتبادل: إنجاز لحزب الله

يمكن الاعتقاد أن معادلة الردع المتبادل، القائمة حالياً في جنوب لبنان، تشكل إنجازاً لكلّ من حزب الله وإسرائيل. لكن بلحاظ موازين القوى والظروف الاقليمية، وكون هذه المعادلة وفَّرت مظلة مكَّنت حزب الله من تطوير قدراته العسكرية والصاروخية، وأسست لانجازات لاحقة تتصل بالساحتين اللبنانية والاقليمية، تصبح حالة الردع التي تبلورت في أعقاب حرب عام 2006، إنجازاً استثنائياً لحزب الله

بعد مضي عشر سنوات على الحرب الإسرائيلية ــــ الأميركية ضد حزب الله، بدت تل ابيب كما لو أنها اكتشفت إنجازاً متأخراً لتلك الحرب. وتمثل ذلك بمقولة أن الهدوء النسبي الذي ساد على الحدود مع لبنان، طوال هذه الفترة، هو نتيجة قوة الردع الإسرائيلية التي عزّزتها خلال الحرب على لبنان.

وعلى هذه الخلفية، حضر «التغني» بالهدوء والردع في بعض أدبيات الخطاب السياسي الإسرائيلي. وضمن هذا الإطار، يعقد معهد أبحاث الامن القومي (14/7/2016) مؤتمراً يناقش فيه سياقات حرب لبنان الثانية ومجرياتها ونتائجها، في إطار مشروع خاص، يحمل عنوان «العقد الهادئ».

لا شك في أن نتائج حرب العدو الإسرائيلي في عام 2006، كان وسيكون لها حضورها ومفاعيلها في حسابات صنّاع القرار السياسي والأمني لدى كلّ الجهات، بمن فيهم حزب الله. مع ذلك، ينبغي القول إن إسرائيل قبل الحرب وبعدها كانت وما زالت تملك قدرة ردع فعالة، أولاً لامتلاكها قدرات عسكرية وتدميرية هائلة، وثانياً لامتلاكها إرادة تفعيل هذه القدرات، وهذا ما تؤكده مختلف مراحل الصراع مع إسرائيل خلال نحو سبعة عقود. وهذا ما ترجمته أيضاً في العقد الأخير في الحرب على لبنان وضد قطاع غزة… وهو ما يؤدي بالضرورة إلى تعزيز ما لقدرة الردع.

إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن مفهوم الردع يستند، إجمالاً، إلى عنصرين أساسيين. الأول، امتلاك القدرة العسكرية المطلوبة. والثاني امتلاك الإرادة والتصميم على تفعيل هذه القدرة متى ما كان هذا الأمر مطلوباً. وفي حال فقدان أي من العنصرين تفقد الجهة، دولة كانت أو مقاومة، قدرة الردع. فلا امتلاك القدرة وحده ينتج الردع، لأن هناك العديد من العوامل التي قد تؤثر على إرادة صانع القرار في تفعيل القدرة. وبطبيعة الحال، لا يحقق توفر الارادة دون القدرة الردع أيضاً.

في ضوء ذلك، إن امتلاك إسرائيل قدرة ردع فعالة حاضرة على طاولة صناع القرار الاقليمي والدولي، أمر مفهوم. ونتيجة تتناسب مع ظروف إسرائيل وقدراتها وتوجهاتها. لكن الجديد أن حالة الردع القائمة على الحدود مع لبنان متبادلة. والجديد أيضاً أن إسرائيل سعت على الدوام، طوال تاريخها، إلى أن تكون رادعة غير مردوعة، ومن موقع التفوق لا التوازن. أما الآن فهناك حالة ردع متبادل تقرّ به كل إسرائيل وتياراتها ومؤسساتها وشخصياتها. وبالنتيجة باتت إسرائيل رادعة ومردوعة، مع الإشارة إلى أن للردع مستويات وأنواعاً.

اسرائيل سعت دائماً الى أن تكون رادعة غير مردوعة وهذا تغيّر

وفي هذا الإطار، كثيراً ما يتم تجاهل حقيقة أن الهدوء النسبي السائد، هو على جانبي الحدود، وليس على حساب الهدوء في لبنان عموماً وجنوبه خصوصاً. بل هو مشروط به لدرجة بات العدو، قيادة وجمهوراً، يدرك بأن أي اهتزاز على الساحة اللبنانية سيقابله اهتزاز على الساحة المقابلة. ولا يخفى أن توفير الهدوء والأمن للشعب اللبناني هو مطلب وأولوية لحزب الله، وبالتالي فإن الحديث عن عقد هادئ منذ ما بعد حرب اعام 2006، يعني الحديث عن أحد أهم أهداف وإنجازات حزب الله المطلوب بذاته.

ينبغي التذكير بأن هدف الحرب عام 2006، لم يكن تعزيز قدرة الردع. ولو كان كذلك، لاكتفت إسرائيل في حينه بمعركة من عدة ايام فقط، وأوصلت رسالتها مع أضرار أقل بكثير مما لحق بها. وإنما كان هدف الحرب سحق حزب الله إن أمكن، أو تدمير قدراته وإضعافه بما يسمح بتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية محدّدة في لبنان والمنطقة. ومن الاشخاص الذين عبَّروا وكشفوا عن جانب من هذه الأهداف، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي في إدارة الرئيس جورج بوش، والمسؤول عن السياسات الاميركية في الشرق الأوسط، اليوت ابرامز (الأخبار/ 2930/ 8/7/2016)، هذا إلى جانب الموقف الشهير لوزير الخارجية الاميركية كونداليزا رايس، التي ربطت في حينه بين الحرب الإسرائيلية، وبين الشرق الأوسط الجديد. فضلاً عن أن المجريات الميدانية والسياسية للحرب، والشروط والأهداف التي حاولت الولايات المتحدة ومعها إسرائيل فرضها، وباءت بالفشل.. كشفت منذ ذلك الحين عن الأبعاد الاستراتيجية لتلك الحرب، وعن كونها جزءاً من مخطط أميركي تتجاوز أهدافه عملية الأسر التي نجح حزب الله في تنفيذها في 12/7/2016.

وهكذا، تشكل حالة الردع المتبادل السائدة على الحدود، نتيجة بديلة عن فشل الحرب في تحقيق السقف السياسي والاستراتيجي الذي كانت تطمح إليه واشنطن وتل ابيب.

أيضاً، مما يميّز حالة الردع المتبادل، أنه بين طرفين غير متكافئين على مستوى القدرات العسكرية والتكنولوجية والسياسية. لكن أكثر ما تجلّت فيه محدودية قوة الردع الإسرائيلية، في مقابل تعزيز قدرة ردع حزب الله، أن الأخير استطاع أن يبني ويطوِّر قدراته الصاروخية والعسكرية طوال العقد الماضي. حتى أن إسرائيل لم تجرؤ على المبادرة العملانية، سواء كخيار استباقي أو وقائي أو بهدف ردعي لقطع الطريق على هذا المسار. ومع أن إسرائيل كانت تدرك بأنه كلما تطوّرت قدرات حزب الله، التي تحوّلت معها إلى عدّاد يحصي تطور وتنامي عدد صواريخه طوال الفترة الماضية، كلما ازدادت قدرته الردعية والدفاعية والهجومية، لكنها لم تجرؤ على المبادرة.

ويعني ذلك، في ما يعنيه، أن حزب الله ولبنان، ومعه محور المقاومة، كان الطرف الأكثر استفادة من حالة الهدوء لجهة تطوير قدراته، وتعزيزاً لمعادلة الردع وتوفيراً لمقومات النصر في أي حرب إسرائيلية مفترضة.

إلى ذلك، بعد حرب عام 2006، تبلور حزب الله كجزء من معادلة إقليمية يصل مداها إلى طهران. وهو مفهوم حضر بقوة لدى كبار المسؤولين والخبراء والمعلقين في تل ابيب. بل إن خيارات حزب الله وقدراته الصاروخية حضرت في كل الخيارات العملانية الهجومية التي كانت تدرسها إسرائيل على مستوى المنطقة. وبعبارة أكثر مباشرة، أكثر ما برّر معارضو الخيار العسكري ضد المنشآت النووية الايرانية، أن حزب الله سيدك العمق الاستراتيجي الإسرائيلي بالصواريخ.. والأمر نفسه ينسحب على كل الخيارات العسكرية الإسرائيلية الاقليمية، التي تهدف إلى اضعاف المقاومة في لبنان.

في المقابل، شكل الحدث السوري مستجداً كان له أثره على معادلة الردع الاقليمية في مواجهة إسرائيل. لكن مفاعيله كانت ذات بعدين، الأول مكَّن إسرائيل من إحداث اختراق محدود يتصل بالساحة السورية، والثاني تجلت فيه بشكل صريح فعالية قدرة ردع حزب الله. وهكذا استطاعت إسرائيل أن تُحدث خرقاً في المعادلة، عندما استغلت المواجهة التي يخوضها الجيش السوري في مواجهة الجماعات المسلحة والإرهابية، عبر تنفيذ هجمات محدَّدة وموضعية تستهدف ما تقول إنه عمليات نقل أسلحة كاسرة للتوازن إلى حزب الله في لبنان. لكن في المقابل، استطاع حزب الله، رغم انشغاله في المعركة على الساحة السورية، وعلى حدود لبنان الشرقية، أن يعزّز قدرة ردعه في مواجهة إسرائيل وهو ما تجلى أخيراً في الرسائل التي وجهها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، عندما توعد العدو بأن اي اعتداء لإسرائيل في لبنان، سيقابل بردٍّ قاسٍ ومؤلم خارج مزارع شبعا.

مع ذلك، تبقى حقيقة أن الردع ليس حالة ثابتة ومطلقة في كلّ الظروف، لكنه عامل أساسي في استراتيجية الدفاع عن أي وطن، ولا يمكن الاستغناء عنه كجزء من استراتيجية أوسع في مواجهة الأعداء.. ولذلك استندت اليه إسرائيل منذ بدايات إقامتها.. لكن يمكن أن تتغير حسابات الطرف المردوع، وبفعل حسابات خاطئة أو صحيحة يبادر إلى عمل عدواني في لحظة ما. واستناداً لهذا التقدير، لا بد أن تكون هناك جهوزية دفاعية دائمة في مواجهة عدو كالإسرائيلي.