فتح ملف صندوق التعاضد التابع للقضاة، ملف صناديق التعاضد في لبنان، وطريقة تمويلها، واستقلاليتها. ويبدو ان صندوق المحامين كان مستهدفا بدوره، قبل أن يتحرك المحامون اعتراضاً، وينتهي الامر بصرف النظر عن الموضوع.
فوجئ القضاة خلال إقرار مجلس النواب قانون سلسلة الرتب والرواتب، بالمادة 33 من قانون السلسلة، التي تنص على وضع نظام موحد للتقديمات الاجتماعية.
في خبايا هذه المادة، فان مساهمة الدولة في صندوق تعاضد القضاة والتي تأتي على شكل رسوم على مختلف المعاملات الادارية في القطاع العام، ستتقلص وستؤثر بالتالي على مختلف التقديمات الاجتماعية للقضاة.
هذا الامر، دفع قضاة لبنان للتوقف عن العمل لمدة يومين عندما تم اقرار السلسلة، احتجاجاً على وقف الدولة مساهمتها في صندوق تعاضد القضاة وخفض اقتطاع حصّة الصندوق من الغرامات وعائدات الدعاوى القضائية.
وحذر القضاة من خطوات تصعيدية في حال لم يعد مجلس النواب النظر في بعض بنود السلسلة التي تحرم القضاة من بعض حقوقهم.
كما اشار بيان مجلس ادارة صندوق تعاضد القضاة الى أنّ «مضمون المادة 33 من قانون سلسلة الرتب والرواتب من شأنه الغاء التقديمات الاجتماعية على اختلافها للقضاة، وافراغ هدف انشاء صندوق التعاضد من جميع مفاعليه والتي تعتبر جوهرية لاستمرار العمل القضائي، خاصة ان تقديمات الصندوق هي حيوية لحفظ كرامة القضاة وعيشهم الكريم وحماية عائلاتهم وان الصندوق يتمتع بالاستقلال المالي والاداري».
وقد زار وفد من مجلس القضاء الاعلى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي وعد باستدراك الموضوع باقتراح قانون معجل مكرّر.
في التفاصيل، فان الدولة قررت تحويل كافة الاموال المحصّلة لمصلحة صندوق تعاضد القضاة، الى خزينة الدولة وليس الى صندوق تعاضد القضاة كما كان يحصل في السابق، مما سيفقد الصندوق استقلاليته المالية والادارية. كما ان القانون الجديد ينص على خفض حصّة الصندوق من الغرامات وعائدات الدعاوى القضائية.
تجدر الاشارة الى تمويل صندوق تعاضد القضاة يتم من خلال الرسوم الادارية والقضائية المفروضة على مختلف المعاملات في القطاع العام، على سبيل المثال، يتم دفع رسم تعاضد قضاة ضمن كلّ معاملات السجل التجاري، الغرامات على انواعها، محاضر الضبط، الدعاوى القضائية، عند تسجيل اي شركة هناك رسم مقطوع بحوالي 600 الف ليرة لتعاضد القضاة.
وفي النتيجة، تتضارب وجهات النظر حول منح صناديق التعاضد الاستقلالية ام لا، حيث يعتبر البعض انه من المفترض على الدولة ادارة كافة صناديق التعاضد، ويرى البعض الآخر ان تحويل سلطة صندوق التعاضد الى الدولة تفقد السلطة القضائية استقلاليتها وامكانية تحركها.
كما تقول وجهة نظر أخرى، انه لو كانت الدولة تتمتع بالشفافية وتراعي مصالح رعاياها ولا يشوبها الهدر والفساد والمصالح السياسية، من الطبيعي ان تكون الدولة هي المسؤولة الوحيدة عن كافة صناديق التعاضد، حيث تكون قادرة على اعادة توزيع الثروة الوطنية، إلا ان للأسف ليس هذا هو الحال في دولة لبنان!
قد يكون استهداف الدولة لصندوق تعاضد القضاة، ناتج عن عدة ممارسات قام بها مجلس إدارة الصندوق من ناحية فرض رسوم تعاضد قضاة على بعض المعاملات من دون صدور قانون بذلك عن مجلس النواب، مما يشكل مخالفة دستورية للمادة 81 من الدستور التي تنص على أنه لا يجوز فرض اي ضريبة او رسم إلا بموجب قانون صادر عن مجلس النواب تطبق أحكامه على جميع الأراضي اللبنانية دون استثناء.
هذا التدبير الذي طال صندوق تعاضد القضاة كان من المقرر ان يطال المحامين أيضا، ولكن ضمن موازنة 2017، حيث اشار المحامي كريم ضاهر لـ«الجمهورية» الى ان هذا الاجراء كان سيطال صندوق تعاضد المحامين في النسخة الاولى للموازنة والتي قام بتعديلها لاحقاً مجلس الوزراء.
وشرح ان المادة 77 من قانون الموازنة القديم كانت تنص على عدم استقلالية صندوق تعاضد المحامين وتحويل كل المبالغ المحصلّة لصالح صندوق تعاضد المحامين، الى خزينة الدولة، مما اثار ردود فعل من قبل المحامين الذين تحركوا تداركاً لتطبيق هذه المادة، مما أسفر لاحقاً عن التراجع عن ادراج هذه المادة في الموازنة وإلغائها.
ولفت ضاهر الى ان صندوق التعاضد هو الكفيل بضمان تسديد مترتبات بوليصات التأمين للمحامين وافراد عائلاتهم بالاضافة الى تعويضات نهاية الخدمة، وهو صندوق مستقل تديره نقابة المحامين.
وشرح ان صندوق تعاضد المحامين على سبيل المثال، يتغذى من كل المعاملات التي ترتبط بشكل مباشر او غير مباشر بالمحامين، حيث يتم تخصيص نسبة 1 بالالف من كلفة تلك المعاملات لصندوق تعاضد المحامين. على سبيل المثال، عند تأسيس اي شركة، هناك مساهمة للصندوق بنسبة 1 بالالف، وكل معاملات كتاب العدل تخصص نسبة 1 بالالف لصندوق المحامين، وهناك رسوم للصندوق من كلّ الوكالات الموقعة بين المحامين وموكليهم.