الاستعداد الذي أبداه الرئيس سعد الحريري قبل أسابيع قليلة للقاء الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، والاستعداد المقابل لهذا الاخير للقاء مماثل، وجد صدى تفاعليا لدى الأوساط السياسية انطلاقا من أن ما حصل يمهّد للقاعدة الشعبية والسياسية حصول لقاء فعلا أو عدم استبعاده، على الأقل في المدى المنظور، إذ تطوي استعدادات إعلامية من هنا وهناك عادة اتصالات تجرى او تسمح بالرهان على ان التحضير لأمر مماثل لن يكون مستغربا. وحتى الآن لمس أكثر من فريق سياسي وديبلوماسي أنه في كل اللقاءات والمساعي التي حصلت من أجل تأمين انتخاب رئيس للجمهورية، فان ما بقي ناقصا من المشهد السياسي هو لقاء الحريري – نصرالله، على رغم أن الأخير رمى الكرة أكثر من مرة في خانة التحاور مع حليفه المسيحي، إلا أنه تبين من الغطاء الذي أخذه النائب سليمان فرنجية للتحاور مع الرئيس السابق للحكومة ظل معلقا ما دام لم يتوج بلقاء بين زعيم “المستقبل” والامين العام للحزب. ويدفع سياسيون منذ بعض الوقت في هذا الاتجاه على قاعدة أن الأمور متى أظهرت بعض النضج في الدول المجاورة، فإن هذه المسألة قد تغدو أسهل في لبنان. يضاف الى ذلك اقتناع سياسي بأنه لا بد من حوار بين “المستقبل” والحزب على غير المستوى الذي يجري فيه راهنا، لأنه لن يتاح انتخاب رئيس للجمهورية من دون هذا الحوار. لكن أي حوار محتمل؟ وتحت أي سقف؟
ثمة خشية سياسية من أكثر من فريق أن يكون الحوار مع الحزب ليس حوارا في غالب الأحيان، في ظل الفوقية التي يمارسها، والتي تجعله يضع نفسه في مصاف مختلف عن السياسيين او عن القوى السياسية في لبنان، علما أن الحزب كقوة سياسية وعسكرية لا يختلف عن سواه، وانخراطه في العمل السياسي، كما سيطرته على مواقع في السلطة، لا تسمح بهذا التمييز، بل تؤكد هذا الواقع. فإذا وضع الخلاف السياسي مع الحزب جانبا، فان تقويم خطاب الامين العام للحزب يفترض مناقشة المنطق الذي يسعى دوما الى تسويقه. فليس هناك من يناقش الحق ولا القدرة لدى الحزب على مواجهة اسرائيل، وقد يكون موضوع اسرائيل حساسا نتيجة احتمال سوق الاتهامات الفورية بالتخوين أو العمالة، علما أن النقاش يفترض السؤال عما إذا كانت الحرب مع اسرائيل بهذه السهولة. والسؤال الآخر هو: أليست اي حرب محتملة على هذا المستوى هي مسألة معقدة مرتبطة بدول وحسابات اقليمية ودولية دقيقة، وليست مسألة لبنانية داخلية او قرار فريق لبناني أياً بلغت قوته؟ وفي حال كانت الحرب مع اسرائيل من دون سقوف او من دون خطوط حمر، ألا تفترض أخذ احتمالات ما قد يصيب لبنان في المقابل في الاعتبار؟
هناك مجالات عدة للنقاش مع الحزب قد لا يكون مستعدا لها، وهو يحصر لقاءاته الاعلامية بقنواته الاعلامية، بما لا يسمح بأسئلة محرجة خارج الاطار الذي يمكن أن يحصل من الامين العام للحزب على أجوبة عن أسئلة كثيرة مختلفة. وما يمكن ان يكون موضوع نقاش هو كيف يمكن ان ينطبق موضوع المقاومة او صفة المقاومة على انخراط الحزب في سوريا او بعض الدول الاخرى التي سبق للسيد نصرالله أن أعلن عن مسؤولية اخلاقية ومعنوية ازاءها. فهذه الصفة تلتصق بمواجهة الاحتلال، والحزب حصل عليها بجدارة من هذه المواجهة، في حين ان اداءه في سوريا لا يختلف عن اداء اي فريق او قوة عسكرية تفيد تقارير دولية انها لا تخلو من ثغر كثيرة لا مجال للخوض فيها. والواقع أن ايران ليست الطرف الذي يضرب به المثل عن الترفع وعدم المسؤولية عما يحصل في العالم العربي أو حتى في الديموقراطية.
ما يحتمل النقاش ايضا هو كيف يستمر الحزب في دعم ترشيح حليفه العماد ميشال عون للرئاسة ولا يبذل اي جهد على غرار تأمين لوبي سياسي داعم معه لهذا الترشيح. فهو يواصل تكرار الدعم مرفقا بالقول إن هذا الدعم يستمر ما دام الزعيم العوني مرشحا. ويلقي الحزب بذلك كرة التعطيل في خانة حليفه المسيحي، فيكون التزام الحزب حليفه التزاما اخلاقيا ولو استمر الشغور الرئاسي سنتين، في حين أن المنطق يؤدي الى اعتبار عون مسؤولا عن هذا الشغور. وبالنسبة الى مراقبين كثر، لن يناسب الحزب وصول عون، على رغم دعم ترشيحه في ظل دعم رئيس حزب “القوات” لهذا الأخير. إذ إن الدكتور سمير جعجع، وفي مسعى لضمان وراثة عون سياسياً، سيحرج الحزب بالمنطق الذي يتمسك به هذا الاخير بعون راهنا، أي أنه الممثل لاكبر نسبة من المسيحيين والمدعوم من حليف مسيحي آخر، خصوصا أن تجربة التعطيل التي يختبىء فيها الحزب وراء عون قد يعتمدها سواه من أجل إجبار الآخرين على الخضوع للخيارات المطلوبة في الوقت المناسب.
إذاً المشكلة تبقى تبعا لذلك في ملعب الزعيم العوني، فهو من يتحمل تبعة الشغور في موقع الرئاسة المسيحية الوحيد في المنطقة، بحيث يبعد عن الحزب مسؤولية إطاحة هذا الموقع، استنادا الى انه حزب شيعي يستهدف طائفة أخرى. لذلك ثمة خشية لدى البعض ان عون قد يتوج حياته بأنه هو من ساهم في فراغ تاريخي للرئاسة في لبنان إذا لم يتوجها بانتخابه رئيساً.