IMLebanon

نصيحتي للموارنة

من حين إلى آخر، أجد نفسي غارقاً في التفكير بشؤون البلاد وشجونه. إن الفراغ في المؤسسات قد طال المؤسسة الأم أعني بها مؤسسة رئاسة الجمهورية. لقد دخل الفراغ فيها عامه الثالث ولم يتحرك الشارع كعادته.

إني أثمّن للرئيس ميشال سليمان تناوله في كل مناسبة موضوع الفراغ في سدة الرئاسة، ويطالب مجلس النواب برئيسه وأعضائه الإسراع في عملية الانتخاب، ولينجح من يحصل على أكثرية الأصوات. وبالمقابل هناك من يعتبر نفسه مرشحاً ولا يتجاوب مع دعوة رئيس المجلس للانعقاد إلا إذا ضمن مسبقاً نجاحه في التصويت، مختصراً وضعه بعبارة «أنا أو لا أحد». ومن الناشطين لتحقيق هذا الشعار صهر له يطلعنا دوماً على شاشة التلفزة أن المسيحيين ومنهم الموارنة ليس لهم من الحقوق في هذا البلد إلا ستة في المئة (6%). لن أقف عند هذا الادعاء المغرض على الإطلاق إلا لألفت الرأي العام إلى أن بوصول رئيس تياره إلى الحكم يحصل الموارنة على حقهم المساوي لأكثرية المسيحيين في مختلف مذاهبهم، وعندها يتحقق العيش المشترك برأيه مع المكوّن الآخر.

ليسمح لي رئيس «التيار الحر» أن أقول له إن القوة تنبع من الذات وإن هذه الذات تتميز بالأصالة والتواضع والهدوء لا بإعلاء الصوت واستعمال مفردات في الكلام غير مقنعة وشعبوية. وفي طلات تلفزيونية كان يهددنا باستعمال الشارع لإحقاق ما يدعيه أنه حق، ويذهب إلى استبدال نظام الحكم الحالي بنظام فدرالي أثبتت الدراسات الاجتماعية السياسية أنه غير مناسب للبنان على الإطلاق، وأنه الخطوة الأولى نحو التقسيم. ولا حاجة لذكر محاولات سابقة لتقسيم لبنان سقطت كلها وسقط معها مروّجوها.

إن ما يتحفنا به رئيس «التيار الوطني الحر» كلما صعد المنبر، يذكّرني دائماً بأسلافه ممن جلسوا على كرسي الديبلوماسية في الحكومات التي مرت على لبنان، أذكر منهم مع حفظ الألقاب: واضع شرعة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الدكتور شارل مالك، وفيليب تقلا الذي انتقل إلى المصرف المركزي وترأسه، فؤاد بطرس، رجل الدولة الأول بنظري في لبنان.

هذا التذكير يظهر الصورة الحقيقية لمن تولوا رئاسة الديبلوماسية في لبنان.

يدفعني ما ذكرت إلى العودة إلى رؤساء لبنان السابقين الذين تركوا بصماتهم الجميلة على الحياة السياسية في لبنان. وأكتفي بذكر اثنين منهم هما الرئيس اميل ادة الذي تبوأ الرئاسة عام 1937 والشيخ بشارة الخوري الذي فاز على منافسه اميل ادة عام 1943، بحصوله على الأكثرية الساحقة من أعضاء مجلس النواب المنتخب في تلك السنة. هذان الرئيسان كان كل منهما رئيساً لكتلة نيابية، الأول أي اميل ادة كان يرأس ما يسمى بالوطنيين والثاني كان يرأس الدستوريين. معظم النواب في حينه كان ينتمي إلى هاتين الفئتين، وأكثرهم كان قد سبق له أن أمضى سنوات قبل أن يدخل المعترك السياسي الرسمي. أما السياسيون اليوم، فأكثرهم يهبط إلى المسرح السياسي معلقاً على حبل يشبه هبوط «الباراشوت» (Parachute) من الجو. وما المجلس النيابي الحالي إلا خير مثال على ذلك.

وأسفاً على هذا الزمن الذي أوصلنا إلى فراغ في السدة الرئاسية وإلى غياب مجلس النواب وإلى تخبط الحكومة.

لا، وضع كهذا لا يفرز حياة سياسية مستقرة. وإذا كان وضع المؤسسات الأم على هذا النحو، فأي وضع يسود الإدارة التي يتآكلها الفساد! ترى، هل دخلنا زمناً لم يعد ينفع فيه الإصلاح ويتطلب كعلاج ثورة شبيهة بالثورة الثقافية التي شهدتها الصين قبل سنوات؟

أوصلني التفكير إلى أن لبناننا اليوم لم يعد كلبنان أسلافنا. فالاقتصاد في أزمة وكذلك الصناعة والزراعة. والأخطر من كل هذه الأزمات، أزمة الشح التي أصابت الرجال وأزمة الانحدار التي طالت الإدارة فأُفسح المجال لدخول جرثومة الفساد إليها وتعشّشها فيها. فالفساد كالسرطان، سريع الانتشار في الجسم، فتتحول الإدارة إلى مركز خدمات، لكل خدمة سعرها وبالدولار أفضل.

لا شك بأن الفراغ في سدة الرئاسة منذ سنتين ونيف قد أضعف مناعة الجسم اللبناني وجعله معرّضاً لشتى الأزمات. إن الأنانية اللبنانية قد أسهمت في وصول البلاد إلى الحالة الراهنة. والموارنة خاصة، بسياستهم الشبه انتحارية قد أوصلوا البلاد إلى التأزم الذي أخذ شكل الفراغ، فأضاعوا أنفسهم. وأخشى ما أخشاه أن ترتفع الأصوات وتنادي إلى مؤتمر تأسيسي يخرج الموارنة منه خاسرين، فيتوقف دورهم السياسي الرائد ويتسارع الآخرون إلى الإحلال محلهم.

في الواقع، أنا أعترف بأنني أخاف أن نصل إلى هذا الحد أو إلى ما يشبهه، فيتغير وجه لبنان وتتغير معه رسالته.

نصيحتي إلى إخواني وأخواتي الموارنة، ولا سيما إلى مراجعهم، أن يجروا مراجعة لأوضاعهم المختلفة في أسرع وقت. فكل تأخير تنجم عنه أضرار على مختلف المستويات ولا يخدم مطلقاً مصلحة لبنان العليا كدولة ووطن. هذه المراجعة هي فرصة لهم قد لا تعاد، فإن فاتتهم، فلا يلومون إلا أنفسهم، وهذا ما لا أتمناه لهم ولا يتمناه أي مخلص في لبنان.