على الأكف الأكف تنتقل مئويتك الطاهرة باتساق وسلاسة لجماهير عابدة وحابّة للبطريرك مار نصرالله بطرس صفير، كحسّون افتتح تغريداته عند الفجر العميق بريقاً من الالحان، وديكنا أعلن صولته بهدير من الصياح.
لم أعهدك على هذه الموجة من الفرح، خاصة وأنا أذكرك تطلبني وأنت في قريتي حصرايل (وكنت مسؤولاً دينياً عنها) ليقول لي المنادي: «البطريرك يطلبك، عجّل».
وركضت بثياب رياضتي نحو مسؤولي الديني المسيحي الأول في لبنان حاملاً عصا مارون، ونداء المسيحي الشرقي: «اذهبوا واكرزوا باسمي جميع الأمم»، وقلت له: سلام المسيح عليك يا أبتِ، أنا فلان.
أجابني بصوت ناغم ومدوزن: ظننتك أكبر عمراً. كل الشكر لقلمك الناضج.
ودار حديث تحت فَيء سروة مار فوقا عن الموت والحياة وما بينهما من ميكانيزم، لم يستطع تطور العلوم إدخال تبدلات عليه. قلت له: انت تشبه كثيراً البطريرك بولس مسعد الذي خرج من أصول قروية – فلاحية وكان يتقن العربية الى جانب 8 لغات، ومن نفس المنطقة الملأى بالمواهب.
قال لي البطريرك: الطائفة المارونية تيّار شامق وواهب في المسيحية وهي مع إخوتنا المسيحيين الارثوذكس تشكّلان القسم الأهم من أتباع المسيح، لهذا سيكون جهدي الاسماني والليتورجي منصّباً على تذليل الصعاب بينهما. قلت له، انطلاقاً من مجمع «سيدة دير اللويزة المنعقد عام 1736» وقسم قليل من قراراته دخل جسد المارونية، ألا تظنّ ان نحوّل بكركي الى «حكومة دينية» عوض هذا الانتشار الاقطاعي الديني. أجابني: أطروحتك صعبة.
وأنا لحبيبي رجل الدين البطريرك صفير، وحبيبي لي إذ طلته طلعة لبنان وعلى مرايا وتلألؤات صليبك كل رموز المسيحية من مارونية وارثوذكسية وكاثوليكية وبروتستانتية أي بتجليات قائدنا مسيح الجبل مُهاناً ومرذولاً ومطعوناً وفي عينيك كل خصب فينيقيا، وفي حديثك ليتورجيا حب تجمع لبنان الوثني الابيض الى لبنان المؤمن مكسوّاً بالبياض كما ذكر في عرس القمر «الاوغاريتي» سأجعل من حقل حبك بستاناً ونشيداً خالداً كأرز لبنان.
يا أجمل الرجال تركت صحن الدار واجماً ومراعيك ومثيلاتك في بحران ترسل دمعها كأمطار شتوية، لكن لا تخف فكرومك محروسة ومن الأرز جسور بيتنا.
قربانة المسيح ستظل مرفوعة، وذكراك الأشهى ستبقى مصانة، واجلوه قديساً. لقد دعت ملحمة غلغامش الأكادية لبنان «بجبل الأرز»، والأقدمون وصفوه «بجبل الله»، وأنت أيها البطريرك قمة الجبلين.
