خلافاً لما عوّدنا في كل إطلالاته، فقد ظهر أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله في مناسبة تكريم شهداء القنيطرة، هادئاً وبعيداً عن المواقف الحادة التي كان يطلقها في مناسبات أخرى باستثناء عدة رسائل إستلهمها من المناسبة ذاتها، وجهها في اتجاهات مختلفة، بدءاً من اسرائيل وصولاً إلى جامعة الدول العربية وإيران، وكان الأبرز في هذه الرسائل هي تلك التي وجهها إلى الدولة العبرية ومفادها أن حزب الله لا يريد الحرب وإن كان لا يخشاه وكأنه يريد بذلك أن يطمئن الآخرين أنه ليس من دعاة الحرب، لكنه لن يسكت على أي مغامرة إسرائيلية كتلك التي حصلت في القنيطرة بل سيردّ عليها بالطريقة المناسبة وفي الوقت المناسب، وفي أي مكان. وانطلاقاً من ذلك فهو لم يعد يعنيه أي شيء إسمه قواعد الاشتباك كونه لا يخاف من الحرب، وإن كان لا يريدها.
وكان اللافت في الرسائل الكثيرة التي وجهها السيّد في هذه المناسبة إبلاغ من يعنيهم الأمر بأن لا إيران ولا أي جهة أخرى تستطيع أن تملي عليه القرارات لأن هذه القرارات تنبع من إرادة ذاتية يقدّرها الحزب وفق ما هو متوافر عنده من معطيات، مستشهداً بما ردده البعض من أن طهران قد لا تكون راغبة في ردّ الحزب على عملية القنيطرة لاعتبارات تتعلق بالمفاوضات الجارية بينها وبين الدول الخمسة + 1 والمتعلقة بالملف النووي، لكن الحزب اتخذ قراره بالردّ على عملية القنيطرة منذ اليوم الأول، ولم يتراجع عنه لكنه في نهاية الأمر كان قراراً صائباً رحّبت به إيران وغيرها.
وكان اللافت أيضاً رسالته الى جامعة الدول العربية غير الموجودة ورسالته إلى الدول العربية وسلاحها غير الموجود عندما يتعلق الأمر بإسرائيل التي اتهمها بأنها تريد تدمير سوريا وهي تتعاون مع التكفيريين وجبهة النصرة التي هي فرع من فروع القاعدة في سوريا والموضوعة على لائحة الارهاب الأميركي والدولي.
أما رسالته الأهم هي التي وجهها الى جمهور حزب الله والتي كان هدفها واضحاً وهو رفع معنويات هذا الجمهور بأن الحزب جاهز كل الجهوزية للرد على أية مغامرة اسرائيلية وإن لم ترق عملية مزارع شبعا التي وقعت في وضح النهار إلى مرتبة الحرب أو إعلان الحرب على اسرائيل أو معها.
السيّد وصف عملية القنيطرة بالإغتيال الموصوف وقال إنها حسبت أن هذه العملية وبالطريقة التي تمت ستربك حزب الله، وقد لا يعمد إلى الرد عليها بسبب هذا الإرباك لكن الحزب رد عليها في وضح النهار وبكل تصميم وقناعة وعبر امتزاج الدماء اللبنانية والإيرانية على الأرض السورية بحيث تعبّر عن وحدة القضية والمصير والمعركة التي جزأتها الحكومات والتيارات السياسية والتناقضات.
والأهم من كل هذه الرسائل التي وجهها السيّد في عدة اتجاهات بلغة هادئة بعيدة عن الإنفعال تلك الرسالة التي وجهها إلى الرأي العام اللبناني والعربي وهي أن المقاومة ليست مردوعة وربما كان يقصد من استعمال هذه الكلمة بالذات أن المقاومة غير مرتهنة لأية جهة، وتأخذ قراراتها من ذاتها وحسب ما تراه هي وليس وفق ما يريده الآخرون.
ومع هذا الهدوء الذي تعمده أمين عام حزب الله، إلا أنه لم يشأ أن يُنهي خطابه من دون إعلان مفاجأة ثانية بعد المفاجأة التي أعلنها بعد حرب تموز وهي أنه هو من يملك قرار الحرب و السلم وهو صاحب الأمر والنهي بمعنى «الأمر لي».