IMLebanon

«الأمر لي»: انتهى عهد التسويات الطرابلسيّة

من المهمّ جداً أن تقرأ القيادات الطرابلسية قبل غيرها ما جرى في المدينة لتعدّل مواقفها وتصرّفاتها. فالإنتخابات النيابية لم تعد على الأبواب وقد يتبدّل المزاج الطرابلسي الى حين فتح الصناديق. ولن يستولي أحدٌ على حصة غيره، فالأشهر الـ 31 الفاصلة عن الإستحقاق ستشكل مساحةً كافية لتعديل الإستراتيجيات. فكيف تمّ التوصل الى هذه القراءة؟ ولماذا؟

يعرف الطفل الطرابلسي المطلوب لتثبيت الأمن في عاصمة الشمال أنّ الأهل فوّتوا عليه كثيراً من الفرص. فليس امام أصحاب الذاكرة اليقظة إلاّ إحصاء الخطط الأمنية التي وُضعت لها، وجنّدت لها الألوية والأفواج العسكرية والفصائل، ومعها البرامج الإنمائية والإستثمارية التي عبَرت على وقع اتفاقات وقف النار.

ففي جلسةٍ جمعت نخبةً من أبناء طرابلس وقادة الرأي ومسؤولي الجمعيات الأهلية التي نشطت فيها ومسؤول أمني سابق أُجريت «الجردة العجيبة» التي تضمّنت إحدى وعشرين جولة عنف بعد العام 2011، وتحديداً على وقع جولات العنف في سوريا وحصدت مع السيارات المفخخة أكثر من 1760 قتيلاً وأكثر من 3000 جريح، بينهم أكثر من 147 معوقاً إعاقة جسدية أبدية، بالإضافة الى مَن هجر بيته ومورد رزقه، عدا عن آلاف المؤسسات التجارية التي دُمِرت أو أَفلست وفقد أصحابها وموظفوها فرص العمل.

في الأمس القريب عندما شُكِّلت «حكومة المصلحة الوطنية» كان من السهل العودة الى الخطة الأمنية التي وُضعت اللمسات الأخيرة

عليها قبل سنة تقريباً، وخصص لها المجلس الأعلى للدفاع اجتماعاتٍ عدة، فشكّلت خريطة طريق الى ثلاثية «الأمن والإنماء والمصالحة».

وكان سباقٌ بين الأمن والمصالحة فسبقت الثانية الأولى وعقدت المصالحات الشعبية على المحاور التقليدية قبل أن تفك «شوادر القنص» على أبواب محلتَي بعل محسن وباب التبانة إيذاناً بعهد جديد لا بدّ منه لتنعم طرابلس بما تستحقه من أمن وأمان، ورفعت الرايات السلمية، وعادت لغة البحث عن التعويضات وإحصاء الخسائر والأضرار على أساس أنها الجردة الأخيرة.

وتزامنت هذه الوعود مع مواعيد محدّدة لبدء العمل في عدد من المشاريع الإنمائية واولها مشروع «ثمار طرابلس» الذي يحتاج إطلاقه الى مئات الوظائف، عدا عما سيحققه إقراض أصحاب المؤسسات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة من فرص عمل لا تقلّ عن الفَي وظيفة في مختلف الإختصاصات.

وقبل اكتمال حركة الحياة اليومية في طرابلس برزت مشكلة «الثنائي العجيب» شادي المولوي واسامة منصور من على منبر مسجد عبدالله بن مسعود فجأة، قبل أن تتحوّل ثلاثية بانضمام الشيخ خالد حبلص من على منبر مسجد هارون في بحنين معلناً «الثورة السنّية». وأوكلت اليهما في السرّ والعلن مهمةَ إحياء الفتنة مجدّداً، ولما غاب «بعبع» جبل محسن لم يبقَ سوى الجيش عائقاً أمام طموحاتهم بـ «إمارة تضمّ زاروبين».

وبدلاً من انهاء الظاهرة قبل نموّها وتوسعها مجدداً، تسابق القادة الطرابلسيون منذ اقل من اسبوعين الى حمايتهم. فسارعوا الى توفير العفو عنهم والمعبر الآمن وغضوا النظر عن بقائهم في قلب المدينة ليحصّنوا مواقعهم في مربّع أمني جديد. وكأنهم «يكفّرون» عن خطوة التخلّي عن قادة المحاور الذين دخلوا السجن أو فرّوا الى جهات الكون الأربع.

الثابت الوحيد في كلّ ما سبق، أنّ أياً من القيادات الطرابلسية لم يتعلم مما سبق بدليل العودة الى الحديث عن «الإستخدام المفرَط للقوة» في وقت يواجه فيه الجيش المكامن التي أودت بثلاثةٍ من خيرة ضباطه وعدد من الشهداء والجرحى العسكريين.

نزل الخطاب السياسي برداً على القيادة العسكرية، وأقلّ ما قيل فيه، بئس هذا الخطاب في شكله ومضمونه وتوقيته. لكنّ ذلك البيان لم يُقدم ولم يؤخر، فالقرار العسكري كان تجاوز هذه المطبات وثمثل بلاءاتٍ عدة: لا لوقف النار، ولا للمعبر الآمن، ولا للقبول ببقاء ايّ مسلح منهم حراً طليقاً اينما إختبأ. وهو ما وفر رسالة واضحة ونهائية مفادها: «انتهى عهد التسويات، الأمن من مهمتنا والإنماء من مهمتكم، فتفضلوا الى ورشة العمل ومَن يحضر اليوم يقطف غداً»!