IMLebanon

على قلبي أحلى من العسل

“أجمل” ما في حياتنا اللبنانية الراهنة، أننا نتساوى، جلاّدين وضحايا، في بعض “أنواع” الموت الذي يصيب الجميع: كأنْ يموت رئيس عصابة سياسية، أو طائفية، بالسرطان والانسداد الرئوي، مثله مثل أيّ مواطن لبناني من الدرجة الثالثة جداً. شيءٌ يشبه التلذذ، أو التلمظ، أو الانتقام، أشعر به، وأنا أتخيّل مصيراً مثل هذا المصير، يلقاه سارقٌ وقاتلٌ، من الدرجة اللبنانية الأولى. فسامِحوني لأنّي أنطق بدواخل الناس.

أعترف اعترافاً مدوّياً بأن هذا الموقف لا ينطوي على أيّ معيار أخلاقي، ولا على الحدّ الأدنى من اللياقة البشرية والقيمية. يستطيع أيّ قارئ رصين، أن يتّهمني بالسادية، وباللاإنسانية. وأن يقذفني بشتى أنواع النعوت المهينة. معليش. بل معه حقّ. لكن هذا الاتهام يسقط “على قلبي أحلى من العسل”.

لقد طفح الكيل. بل أكثر. لم يعد يفيد النقاش العقلي في شيء. أنتَ أيها القتيل تناقش قاتلاً. فما الفائدة من ذلك؟كم أتمنى، على طريقة الأفلام السينمائية الكارثية، أن ينتشر البعوض القاتل، وليس العادي البسيط منه، “عليَّ وعلى أعدائي يا ربّ”، فيهاجم سارقي حياتنا وأحلامنا، وحياة أطفالنا وشبابنا وصبايانا، وأحلامهم، ويمصّ دماء هؤلاء السرّاق مصّاً، ولا يرتدّ عنهم إلاّ بعد أن يصيروا جثثاً منتنة، تنعب فوقها الغربان والبوم.

ليس عندي سبيلٌ منطقي “مقنع”، يمكّنني ويمكّن الكثيرين من اللبنانيين من إحراج الطبقة اللبنانية القاتلة، والتأثير فيها، بما يجعلها مضطرة، غصباً عنها، إلى إيجاد حلول دنيا، مشرّفة، تصون حياة المواطنين وتحفظ كراماتهم. والحال هذه، أيّ سبيلٍ آخر لدى المواطن الأعزل سوى استمطار اللعنات والكوارث. فما “أجمل” إله الانتقام والقتل والثأر في العهد القديم. وكم نحن في حاجة إلى “إله” كهذا يبيد هؤلاء الأعداء الذين هم “من أهل الدار”. لكن الاستنجاد بالآلهة لا ولن يجدي. كما أن انتظار الحلول الخارجية لا يقدّم ولا يؤخر.

منذ اندلاع الحرب اللبنانية في العام 1975، وعلى مدى الأزمات والمصائب الشائكة المتلاحقة، كان جواب الخارج لنا دائماً: اتفقوا ونحن معكم. من شأننا نحن اللبنانيين وحدنا أن نقتلع أشواكنا بأيدينا. فما الذي يحول بيننا وبين اقتلاع هذه الأشواك؟ الطبقة السياسية والمالية والدينية برمتها، مسؤولة عما آل إليه لبنان، في كينونته ووجوده ومصيره. ليس لبنان السياسي فحسب، بل لبنان الانسان والمجتمع والمناخ والصحة والبيئة، حيث تنعدم بديهيات العيش وأبسط قواعد السلامة والطمأنينة.

القتيل يستطيع، إذا أراد، أن ينتفض على قاتله. أيها القتيل هاجِم القاتل، كما لو كنتَ جيشاً من البعوض القاتل!