Site icon IMLebanon

ضاحيتي»: آمال معلّقة على حبال الانتظار الطويل

 

فجأة، أعلن «اتحاد بلديات الضاحية» عن مشروع تنموي واجتماعي وتجميلي للضاحية بعنوان: «ضاحيتي». في البداية، تفاوتت آراء القاطنين هناك، بين يائس من التغيير ومتأمل خيراً. الناس في الضاحية ملّت الوعود، وتريد حلولاً عملية. كنا، قبل أحداث حيّ السلم أمس، قد حملنا هذه الأسئلة إلى رئيس الاتحاد محمد درغام، للوقوف على تفاصيل الخطة التي كان لا بد أن تبدأ من مكانٍ ما. وهذا المكان هو «إزالة المخالفات والتعديات»

 

تشتمل خطة «ضاحيتي»، كما يقول رئيس «اتحاد بلديات الضاحية» محمد درغام، على أربعة محاور: خطة السير، التجميل والإنارة والنظافة، إزالة التعديات عن الأملاك العامة، وقمع مخالفات الدراجات النارية والحافلات. تبدو هذه العناوين غير معقدة، وهي لا تدخل إلى الجذور الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها المنطقة. أحداث أمس تسمح بطرح هذه الأسئلة.

يجيب درغام بأن على الناس أن يعرفوا أن البلديات ليست مخوّلة قانوناً معالجة كل المشاكل، ولا تقع معالجتها ضمن إمكانياتها المادية، «وعلى عكس ما يتصور كثيرون ممن يحمّلون البلديات المسؤولية، فإن غالبية المهمات تقع على عاتق الدولة ومؤسساتها. ونحن كاتحاد نعمل فوق طاقتنا لنسدّ تقصير الدولة».

السؤال الضروري المطروح دائماً: أين الدولة؟ يؤكد درغام أن لا أحد يحول دون ممارسة الدولة دورها في الضاحية. لا الفعاليات السياسية ولا «قوى الأمر الواقع»، بل هناك تنسيق في كثير من المسائل. «الدولة يجب أن تفرض هيبتها». أما لماذا لا تتدخل؟ فهو سؤال للدولة: «هناك كتب خطية إلى وزير الداخلية نناشده فيها التدخل وحضور الدولة الدائم وليس المؤقت، ونحن نطلب من الدولة أن تكون حاضرة من خلال خطة ضاحيتي لقمع المخالفات وإزالة التعديات».

لم يأتِ مشروع «ضاحيتي» فجائياً كما يؤكد درغام، وإن أُعلن عنه فجأة. قبله، عمل الاتحاد مع شركة «خطيب وعلمي» على إنجاز خطة سير تتضمن شقين؛ شق تستطيع البلديات القيام به ضمن إمكانياتها من قبيل ضبط اتجاه السير والإشارات، والآخر يحتاج إلى متابعة مع الدولة لتنفيذه؛ فالأشغال وبناء الجسور والأنفاق وغيرها ممّا اقترحته «خطيب وعلمي»، يقع تنفيذها على عاتق مجلس الإنماء والإعمار ووزارة الأشغال العامة.

معالجة الأزمة من الداخل

النقل المشترك، أو ما يسميه درغام «النقل الحضري»، شقّ أساسيّ من الخطة. وهذا النقل سيأخذ في الاعتبار «الفانات» القانونية التي يجب أن تدخل ضمن تصوّر النقل المشترك. وكذلك الأمر في ما يتعلق بمصلحة النقل المشترك والسكك الحديد التي يعمل الاتحاد من خلال الخطة على دفع الدولة لإعادة تفعيلها، إضافة إلى إدارة دخول الآليات التي تفوق زنتها 9 أطنان إلى الضاحية وخروجها منها، «لأننا يجب أن لا ننسى أن الضاحية منطقة سكنية وصناعية وتجارية». يؤكد درغام غير مرة، أثناء الحديث، أن استنباط حلول للمنطقة يكون من خلال التعامل مع واقعها. فالضاحية تحتل مساحة جغرافية صغيرة مقارنة بالاكتظاظ السكاني الذي تعاني منه ووجود مخيمين فلسطينيين داخلها. إلى ذلك، هي ولدت من رحم الحرب. معظم قاطنيها انتقلوا إليها من البقاع والجنوب وبنوا بيوتهم عشوائياً من دون تنظيم مدني. التعامل مع الموضوع من خارج الواقع، بحسب درغام، يستلزم على سبيل المثال إزالة الكثير من الأبنية. أما لماذا لا يتم شراء هذه العقارات وإزالتها من أجل التنظيم؟ فلأن ذلك «ليس ضمن إمكانيات البلديات، وهي إمكانيات متواضعة عموماً». وهنا يعرض لإشكالية كبيرة تتعلق بحصة المنطقة من أموال الصندوق البلدي المستقل، إذ إن هذه النسبة تتحدّد وفقاً لعدد الناخبين وليس القاطنين. والناخبون في الضاحية لا يتجاوز تعدادهم 200 ألف، فيما يقطن فيها حوالى 750 ألف نسمة… «كيف سأقوم باحتساب الميزان التجاري وموازنة الإيرادات مع المصروفات؟»، يسأل درغام، وعلى «الدولة» أن تجيب.

المشاريع

رغم ذلك، يؤكد رئيس «الاتحاد» وجود حجم «مهول» من المشاريع في الضاحية يتجاوز حجمها ملايين الدولارات، بين محطة الكهرباء وأشغال البنى التحتية ومشروع استجرار مياه سد بسري ــــ الأوّلي. ولكن لماذا تحفر الشوارع أكثر من مرة في السنة الواحدة؟ يضرب مثالاً حسيّاً: «مشروعا الماء والكهرباء منفصل أحدهما عن الآخر، لأنهما من وزارتين مختلفتين. كبلديات نعمل قدر المستطاع على التنسيق بينهما. ورغم أنه ليس لنا سلطة الإشراف على هذه المشاريع، فرضنا سلطتنا عبر خلق فريق استشاري مع الاستشاري الذي تعتمده الدولة للمتابعة وملاحقة تنفيذ المشاريع». لكنه يؤكد أن هناك «استحالة فنية أن تجري بعض الأعمال في الوقت ذاته، كأشغال الماء وأشغال الكهرباء، ما يدفع إلى حفر الطريق أكثر من مرة».

أزمة المياه الطويلة

المياه، أحد أسباب المعاناة في الضاحية، والتي تقوم الصهاريج إلى حدّ كبير بسدّ فجوة انقطاعها. يشير درغام الى أن الاتحاد فكّر في حفر آبار لتوزيع المياه وشبكات المياه، «لكن لا مصادر المياه متوافرة ولا القانون يسمح باستخراج المياه وبيعها. وجيولوجياً، مياه الضاحية الجنوبية كبريتية». أما واجب البلديات في هذا الخصوص فهو المتابعة مع الجهات المعنية، لأن مصادر الماء مشاريع استراتيجية على مستوى الدولة وليس على مستوى بلديات… «راجعنا المسؤولين في مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، فقالوا إن مسؤوليتهم تنحصر في توزيع الماء، لكن تأمين مصادر الماء يقع على عاتق الدولة». مجدداً، الدولة هي المسؤولة. السؤال نفسه: أين الدولة؟

لا إجابة. طيب. ماذا عن مصادر مياه «السيترنات»؟ يؤكد درغام أن صهاريج الماء تُعبّأ من آبار خاصة من خارج نطاق الضاحية، وأنها «غير ملوثة». بالنسبة إلى كثيرين، هذا «تفاؤل مبالغ فيه». غير أن درغام يعترف بأن نسبة الملوحة فيها عالية «كما هي حال الماء التي تأتي من «مصلحة مياه بيروت». لم يوافق درغام على تعبير «المافيات» في ما يعني «سيترنات» المياه، مؤكداً استعداد بلديات الضاحية لمؤازرة مؤسسة (مياه بيروت) لإزالة المخالفات عندما تطلب ذلك. والناس ينتظرون المياه.

النظافة من الإيمان

أزمة النفايات في الضاحية من أبرز المشاكل الظاهرة، نظراً إلى تكدّسها على جوانب الشوارع. يقول درغام إن هناك حجم نفايات مهولاً في الضاحية، حتى إن حاويات النفايات تمتلئ أكثر من مرة في اليوم، نظراً إلى كونها منطقة صغيرة مكتظة سكنياً. أخيراً، تسلّمت شركة «سيتي بلو»، بعد «سوكلين»، عملية تجميع النفايات، لكن المشكلة كما يشير رئيس الاتحاد تكمن في الكنس، لأن مجلس الإنماء والإعمار لم يلزّم الكنس لأحد. لا شركة تكنس الطرقات، وهذا ليس في الضاحية فقط، بل في كل محافظة جبل لبنان. ويشير إلى «أننا ضغطنا على الشركة لإنزال 120 موظف كنس لتنظيف الشوارع، ولكن ذلك غير كاف، لأن الضاحية تحتاج إلى نحو 300 موظف».

متى نلمس على الأرض نتائج خطة «ضاحيتي»؟ يَعِدُ درغام بأن ذلك سيكون خلال مهلة تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر. فهي، كما يؤكد، تسير على سككها السليمة، وإن كانت، من دون شك، ستواجه مشاكل خلال التنفيذ. أمس بدأ الأمر في حيّ السلم، والطريق طويلة، كذلك فإن المحاسبة ضرورية، في نهاية الطريق. الناس ينتظرون «تقريش» الخطط الطويلة.