في مناسبة العيدَين التوأمين، عيد الاستقلال وذكرى تأسيس الكتائب، رأيت من المفيد التوقّف والتأمّل بما يحمله هذا العيد وهذه الذكرى من عِبَر. ذلك أنّني في كلّ مرّة أجِد نفسي أفرَح لحرية شعب ناضَل وانتصَر، وأحزَن على مَن فقَدنا ليحيا لبنان، وبيار في القلب دائماً…
يمرّ لبنان اليوم بمخاطر وصعاب تُحاكي أقصى أزماتنا عبر العصور. ومثلما واجه آباؤنا التحدّيات، وأخذوا الخيارات الصعبة، فنادوا بالاستقلال، علينا اليوم ككتائبيّين أن نواجه التحديات المصيرية، ونكون على مقدار المسؤولية.
أن ننادي بالديموقراطية شيء جيّد، أما أن نكون ديموقراطيّين في ممارستنا لعملنا الحزبي والوطني، وأن نحترم الرأي ونقيم وزناً للتنوّع ونحافظ على حرية الفرد داخل المجموعة وخارجها، فهو التحدّي الأكبر، وهو النموذج والمثال الذي ينتظره منّا اللبنانيون وكلّ شعوب المنطقة. أن يتمّسك حزبنا بجذوره، ليعود المرجع والقدوة في كل موقف ومفصلٍ وطني.
بين التطرّف والاستبداد، أختار الحريّة والليبرالية كما اختار أسلافنا الديموقراطية في عهد الفاشيات والراديكاليات. رهاننا الكبير اليوم: العمل في سبيل تثبيت الاستقلال والديموقراطية، وتكريس الهوية اللبنانية، والانتماء للوطن، وأن نكون نموذجاً للتواصل بين اللبنانيين في الداخل، والتفاعل الإيجابي مع شعوب المنطقة والعالم.
أن نكون على مقدار طموح شبابنا، فنسير جنباً الى جنب مع جميع الذين يؤمنون بالمبادئ نفسها. أن نمارس العمل السياسي بمناقبية وشهامة وشرف، فنفرض احترامنا على الجميع ويُضرب فينا المثل، ونكون قدوة في مجتمع بات يَجنح نحو التزلف والاستزلام والزبائنية والفساد.
فلنعمل جميعنا على جذب القوى الحيّة والطاقات الشابة، ونبذ المحسوبيات وإبعاد الوصوليّين عن ثقافتنا وممارستنا الحزبية والوطنية. لا يمكن للكتائب أن تقود غمار الحاضر والمستقبل إلّا بعودة الروح النضالية ونكران الذات، والالتزام التزاماً مطلقاً بالقضية اللبنانية، وأن تكون الممارسة على هذا المستوى.
فالكتائب اليوم، إمّا أن تكون عصرية وسبّاقة وحديثة، أو لا تكون. فيوم خرجنا من انزوائنا وتقوقعنا، ومن عنجهيّتنا وأنانيتنا، وعدنا الى مبادئنا بذهنية حديثة وخطاب منفتح، لاقانا لبنان، كلّ لبنان، وكانت ثورة الأرز والاستقلال الثاني.
في الأمس تحالف بيار الجميّل مع رياض الصلح ومجيد ارسلان وحزب «النجادة»، وكلّ من قال لبنان أولاً، ونعم للديموقراطية، وأسَّسنا أكثر الأنظمة تطوّراً في هذا الشرق. اليوم لا يمكن أن ننتصر إلّا بإقدامنا على خطوات بهذا المستوى من الجرأة، بالتحالف مع الاعتدال والفكر الحرّ، ومواجهة التطرف والغوغاء والاستبداد.
من هذا المنطلق، ومن أجل تحقيق هذه المبادئ، أُجدّد التزامي بهذا الحزب العريق في عامه الـ78، ليس للتباهي بتاريخٍ لا شك مجيد، ولا للتمسك بتقليد عائلي، ولا سعياً لزعامة موقتة وزائلة، بل لتحمّل مسؤولية تاريخية، والعمل على تقديم مشروع حديث، وطروحات معاصرة، تستنهض طاقات اللبنانيين، لنعود مجدّداً نور هذا الشرق وملح هذه الارض.
عاشت الكتائب – ليحيا لبنان