يمرّ الحوارُ “العوني” ـ “القواتي” في مرحلةِ الغموض غير البنّاء الذي يسببه الانقطاعُ العمَلي للحوار، وبات يقتصر على جولات متباعدة للموفدَين ابراهيم كنعان وملحم رياشي، بما يشبه قصة المراسيم الجوّالة التي تنتقل على شكل “إعلان نيات”، لا يُصدّق مَن كتبوه مضمونه، نظراً لما يحتوي مِن عبارات مطاطية، ومِن مقاطع لا تستطيع أن تكون مادةً لاتفاقٍ سياسي.
ليس المهم مَن كتب “إعلان النيات” من الطرفين، ومَن دقّق ومَن غيّر في المضمون، فالرسالة واضحة، إذ لن يؤدي هذا الاعلان الى توقيع اتفاق والى توقيع، بل لن يؤدي حسب ما رشَحَ من معلومات الى أيّ لقاء بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، نظراً لأنّ أحداً منهما لا يريد أن يهديَ الآخر انتصاراً دعائياً، فبالنسبة الى عون فقد اشترط لحصول اللقاء أن يُتوَج بإعلان جعجع القبول به مرشحاً للرئاسة، فيما يرفض جعجع هذا الامر، ويصرّ على تطويل الحوار ليشمل أكبر مقدار ممكن من الملفات، قبل الكلام عن موضوع الرئاسة، في اعتبار أنّ جعجع لا ولن يؤيّد عون.
لأجل هذا التطويل حرص جعجع على تصويب موقف النائب جورج عدوان، والعميد المتقاعد وهبة قاطيشا، اللذين قالا الحقيقة عندما جزما بأنّ “القوات” لن توافق على انتخاب عون، ولقد بدا من خلال هذا التصويب أنّ جعجع الذي يرفض انتخابَ عون، لا يريد إحراقَ مراكب الحوار، قبل الوصول الى شاطئ التطبيع مع عون، هذا التطبيع الذي يتوهم أكثر من طرف أنه سيكون حاجزاً يمنع عون مجدَّداً، من بث الكراهية والعداء تجاه جعجع.
وصل الحوار الى نقطة اللاعودة وبات السؤال الآن: مَن يعلن نعي الميت قبل الآخر؟ وكيف سيكون دويُّ هذا الاعلان؟ الواضح أنّ كلّاً من عون وجعجع يتجنّب إعلان نعي الحوار، والمتوقع أن يضجر عون من استمرار هذا الحوار الى ما شاء الله، وعندها يمكن تصوّر نتائج كثيرة، أولها وضع إعلان النيات في مكان غير مرتب، والانتقال الى الحملة الاعلانية ـ الاعلامية المعَدَة سلفاً لدى عون، لاتهام جعجع، بتعطيل انتخاب الرئيس القوي، وبالتبعية للسعودية وتيار “المستقبل”، وبغيرها من الاتهامات المعَدَة مسبقاً، والتي قد تصل الى إعادة نبش قبور الحرب.
في تحليل التكتيك الذي يتبعه جعجع، يمكن رصد بعض المؤشرات، وأبرزها استعمال ميزة النَفَس الطويل، التي تترجم على شكل مفاوضات لا تنتهي، تستنزف فيها قدرة عون على العودة الى العدائية.
في هذا التحليل ما يشير الى أنّ جعجع لن يكون أبداً الطرف الذي يعلن نهاية الحوار، ولو استمرّ الى العيد العاشر بعد المئة للجنرال عون. فكلما طال الحوار تمكن جعجع من تعزيز صورته كحاملٍ لمفتاح قصر بعبدا، وكمعبرٍ إلزامي لكلّ مرشح للانتخابات الرئاسية، ذلك بفعل الضمانات التي نالها في السعودية وبعض عواصم القرار، بأنه يملك حقّ المشاركة في تسمية الرئيس التوافقي، وصولاً الى الحقّ في استعمال “الفيتو” على أيّ اسم يعارضه.
في هذا التحليل أيضاً ما يشير الى أنّ عون بدوره، لن يسير وفق هذه الاجندة، بل سيحاول أن يوقف الحوار بحشر جعجع في سؤال واحد: هل تؤيّدني رئيساً أم لا؟ يعرف عون أنّ الجواب هو لا، وتبعاً لذلك فإنّ السؤال سيرتبط، بالتوقيت الذي وضعه عون لوقف الحوار، ولإعلان فشله، ولتحميل جعجع مسؤولية هذا الفشل.
فهل يكون عيد الفصح، هو التوقيت الذي سيُعلن عون فيه نهاية للحوار، أم أنه سيرى مصلحة في مزيد من استنفاد الوقت طالما، لم تنضج بعد صورة التوازنات النهائية في المنطقة؟