Site icon IMLebanon

خرافات لتمرير الوقت

ــــ ١ ــــ

حلولنا وهمية.

لأننا نفتقد قيمة الاعتراف أو إرادة الخروج من نفق ننتظر فيه الكوارث، أو لا نريد الخروج خوفاً من العراء الكامل.

فكّر قليلاً وستجد مثلاً كم ديكتاتوراً عربياً شعر بالسعادة الغامرة بالطوارئ في فرنسا، وشراسة أجهزتها السياسية والأمنية في مواجهة خلايا «داعش».. هذا الشعور بالتوحّد أو التماهي مع «وحشية الضحية» التي هي أكبر من ضحايا الجمعة السوداء في باريس.

الضحية هنا هي «الدولة» بمفهومها الذي يمنح الأمان والرخاء (ولم يعد) في بلاد الرأسمالية المتقدمة، وكيف تشابهت مع وحشية معتادة من أنظمة الترويض (المذعورة الآن على مصيرها) في بلاد الرأسمالية المتأخرة.

خلايا «داعش» كانت نائمة واستيقظت انتقاماً (من روسيا وفرنسا تحديداً) بعمليات ممتدة من سيناء إلى باريس، مع إضافات في أفريقيا (في إطار حرب من أجل السيطرة السنية ضد النفوذ المتنامي لإيران في أفريقيا..).

هذا الخروج الواسع من بقعة في دولة محطمة، إلى العالم بكل قاراته يشير إلى نقلة نوعية في الحرب لا يمكن مواجهتها بالتعتيم الذاتي والانكفاء على تجارب فاشلة في مواجهة إرهاب العصابات، المتفوّق على مثيلاتها في السبعينيات والثمانينيات.

هذه العصابات كسبت كثيراً غير إشباع غريزتها المتيّمة بالموت، وأهم مكاسبها ذلك التماهي بين ديكتاتورات الإقليم والدول الداعية للتحرّر والديموقراطية، وبأهمية موازية نشر القلق في عواصم آمنة، وإثبات أن لا أحد بعيد عن متناول أشباح «نهاية العالم» كما نعرفه.

وأمام هذه المكاسب كيف يمكن المواجهة بحلول «ميديوكر» ما زالت دولة كلاسيكية، مثل مصر تفكّر في أن مواجهة «داعش» باستدعاء مؤسسة السنية الرسمية (الأزهر) لتكون الكتيبة الفكرية، بكل ما تختزنه من أصول في فكر «داعش»، لكنها تحت تدجين السلطة… بل إن منهجها التربوي ملهم في خيالات فانتازية حوّلتها «داعش» إلى حقيقة واقعة..؟

وكيف يمكن تخيّل أن السعودية ستحارب من أجل القضاء على قرينتها السوداء (على حد وصف مستوحى من افتتاحية «نيويورك تايمز») إذا كانت دعائم دولة آل سعود تقوم على القتل والذبح العلني لكل مختلف، وتشن حروباً على دول مجاورة باسم الدين؟

كيف يمكن البحث عن «وسطية» و «اعتدال» ما دام هناك قتل باسم الدين ومن أجل السلطة؟

«داعش» هي تفسير حلم أمراء «الصحوة الإسلامية» المقيمين خارج السلطة الرسمية في حرب على التحكّم في ملايين المؤمنين ومنابع الثروات في بلادهم. من دون اعتراف مثل هذا فالحرب المعلنة ضد «داعش» مجرّد ضلالات لا تفعل سوى تأجيل كارثة أو تحويلها إلى واقع مقيم. وببساطة: كل حكم باسم السماء سيؤدي إلى مجزرة. وهذا وعي غائب، أو غريب في هذه الحرب.

ــــ 2 ــــ

كيف خرجت «داعش» من جيبها المحدود في العراق وسوريا إلى العالم؟

وكيف استقبلها العالم؟ وإلى أين ستقود الحرب العالمية؟

بداية هي حرب عالمية، بمعنى يختلف عن سابقتيها. كما أن «داعش» لا تشبه «القاعدة» ولا «الجهاد».

إنها حرب نهاية «الموديل» المستمر منذ الحرب الثانية، والذي كان حلاً وقتها لكنه الآن يفجّر البربرية كما لم يفعل من قبل.. والأهم أن تنظيماً مثل «داعش» أصبح عالمياً بالمعنى الذي يجعل العالم يحارب ذاته. فـ «الداعشي» أصله من بلد وجنسيته في بلد وحياته في بلد ثالث. بمعنى أن الهوية التي قامت عليها الدولة القومية ذابت في عقل «مواطن عالمي» ووجدانه، حيث لم تتح له قوانين الدولة القومية وعواطفها أن تكتمل مشاعره بالهويات العابرة.

فالجنسية لم تمنح للمهاجر على مختلف أجياله إحساساً بالاندماج، بل إنه وكلما اقترب من خطوط الطبقات الأفقر كان الهامش: مكاناً وهوية.

هل «داعش» تستقطب المهمشين في العالم، الخارجين عن ماكينات العولمة الكبيرة، المنتقمين منها…؟

الكل في حاجة إلى تفكير بدلاً من إعادة سياسات حرب إرهاب سابقة، واستعادة بوش في خطابات هولاند، والتوصيف المتواضع على أن تفجير الشوارع في باريس كان انتقاماً من أسلوب الحياة الفرنسية…

الجمود والصدأ هو ما يميّز رد الفعل السياسي، الذي يعتمد على حشد التحالفات على طريقة 11 سبتمبر، وكأن حرب بوش لم تدمّر العراق الذي كان نقطة انطلاق «داعش».

هم يخططون من أجل الحفاظ على «الموديل» الحالي للدولة القومية، بما في ذلك إمكانية الاستغناء عن مشاريع مثل الوحدة الأوروبية (هولاند هدّد بالعودة إلى الحدود القديمة..)، بل إنهم يتجهون إلى التحالف مع السعودية برغم «داعشيتها»، لكنها تندمج في منظومة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ولا يشغلها الهوس بالخلافة متعدية الجنسيات والقوميات.

ــــ 3 ــــ

كيف ستنتهي «داعش»؟

غالباً ليس بالعنف وحده.

وطبعاً ليس بالتقنيات المستهلكة لصنّاع ضلالات «الإسلام الوسطي/ المعتدل» ولا باستشراس آلة «الدولة القومية» وتحالفهم مع اليمين المتطرّف في استعادة «نقاء» الدولة.

هذه بعض من ضلالات عقل جمعي مذعور يخترع «خرافة تبدو مقبولة» لتمرير الوقت.