لم يحترم التجار الحرب، لم يراعوا الواقع الاقتصادي للنازحين، جلّ ما فكّروا فيه هو رفع قيمة أرباحهم ضعفاً وضعفين، والغلاء يفرض نفسه مجدّداً، فتسجّل مدينة النبطية أعلى نسبة مؤشر على الغلاء بين مدن لبنان، ويكاد ارتفاع الأسعار لا يصدّق، بل يجزم الكلّ بأن الأسعار خيالية، فالتاجر يضع أرباحاً مضاعفة، إذ يضيف رسم الإيجار والاشتراك وأجرة العمال الى أي سلعة يبيعها، فيخرج السعر عن المألوف.
قد يكون أبناء المنطقة اعتادوا نسبياً هذا الغلاء، غير أنّ النازحين الجدد بدأوا يشعرون بالفارق الشاسع في الأسعار بين قراهم والنبطية، الى درجة قالوا إن السلع في قراهم رخيصة أمام أسعار سلع النبطية.
يصل الفارق بين سلعة وأخرى وبين محل وآخر بين 40 و50 ألف ليرة من دون أن يرف جفن لأحد منهم، وحده المواطن والنازح يدفع الثمن، في وقت يواجه أخطر أزمة اقتصادية مرّت عليه.
لا يخفي رئيس مصلحة اقتصاد النبطية محمد بيطار هذا الواقع، بل يضيف إليه حجم هامش الربح الذي يختلف بين منطقة وأخرى، إذ يقول إنّ هامش الربح في حاصبيا1%، في حين يبلغ في مرجعيون 13 في المئة، أما في النبطية فيصل الى 20 في المئة، وهي أعلى نسبة غلاء تسجّلها المنطقة.
تبعاً لبيطار، فإنّ تجار النبطية يضعون أعلى هامش ربح يسمح به القانون، ولا يراعون ظروف الناس الصعبة ولا واقعهم الاقتصادي المتردّي. يتبع تجّارها سياسة استغلال الأزمة بحجّة ارتفاع بدل النقل والاشتراك، حجة ينقضها بيطار بقوله «إنّ مبرر التجار لرفع أسعارهم هو النقل، وهو أمر غير منطقي»، لافتاً الى «أنّ من ينقل 1000 كيلو سلعاً يضع عليها بدل نقل 6 ملايين ليرة، بدلاً من توزيعها على الـ1000 كيلو يوزعها على كيلو واحد أو اثنين فيرفع السعر».
على قلة عددهم، لا تهدأ جولات مراقبي الاقتصاد في النبطية على المحال والدكاكين، تم تسطير محضر ضبط بأحد دكاكين الخضار في كفررمان، لأنه يتلاعب بالأسعار، كل تلك الجولات لم تتمكّن من لجم الأسعار، إذ بحسب بيطار «معظم التجار يرفضون وضع السعر الذي يفتح باباً للمنافسة، ناهيك بالتلاعب بالفواتير التي تقدّم، كيف يمكن أن أصدق أنها الفاتورة الحقيقية؟».
يسعى بيطار لوضع مؤشر على الأسعار في النبطية، لعلّه يلجم جشع التجار الذين لم يشبعوا بعد وهم يستغلون كل الأزمات، غير أنه يقول «إن وزارة الاقتصاد وحدها لن تستطيع قمع كل المخالفات وضبط الأسعار، على البلديات أن تتحمّل مسؤوليتها، فلديها سلطة رقابة ومخوّلة قمع الأسعار والمخالفات عبر شرطة البلدية، غير أنها لا تقوم بواجباتها».
يكرّر بيطار أنّ الجشع الحاصل مخيف جداً، ومؤشر خطر للغاية، وأعتقد أنّ مقاطعة الناس السلع المرتفعة تلجمهم وتضع لهم حدّاً، غير أن هذا الأمر غير وارد»، قبل أن يردد «كفى سرقة الناس، وارحموا فقرهم».
بين 1% من الربح في حاصبيا و20% من ربح تجار النبطية فارق يصل الى نسبة 19% تسجّلها الأسعار، يعجز نازحو القرى وسكان المنطقة عن شراء أبسط حاجياتهم، ويعلق بيطار بالقول: «للأسف القانون سمح لهم بهذا الهامش، غير أنّ الدين والضمير لا يسمحان لهم بذلك، لذا أدعو التجار ليحكّموا ضميرهم رأفة بالناس وليرضوا بـ7% ربح».
مرة جديدة تسجّل النبطية ومنطقتها أعلى نسبة غلاء، ومرة جديدة يدفع الفقراء ثمن طمع تجار لا يؤمنون إلا بدين الربح والمال فقط. فهل تتضافر جهود الاقتصاد والبلديات والمحافظ معاً لقمعهم؟ أم يبقى تجار النبطية يفرضون أسعارهم على الناس غصباً؟