درءاً للفتنة وكي لا يسيل الدم في الطريق إلى الفوضى
تحلّلت الدولة، لم يعد لها حضور على الاطلاق على الارض، في قرى النبطية لا صوت يعلو فوق صوت الغلاء، المحاصصة والتجارة، فالطبابة باتت حكراً على الاثرياء، البنزين للذين يتقاضون بالدولار، الدواء ممنوع عن الفقراء، أما المستشفيات فـ»مسلخ جيوب»، تسودها فوضى التشخيص وفورة اسعار بالفريش دولار.
لا حضور فعلياً للدولة على الارض، فهي الغائب الاكبر في قرى النبطية، وسط سيطرة التجار الكبار على مفاصل السوق، وحدهم يفرضون سلطتهم على كل شيء، والاعتراض ممنوع، حتى قمع المخالفات والتعديات على شبكات المياه ممنوع ايضاً، فكل قرية وبلدة باتت جمهورية بحد ذاتها، يسيطر عليها اصحاب النفوذ والمعالي، ممن يفرضون الازمات تارة والمعالجات الوهمية طوراً آخر فقط لإذلال الناس وفرض هيبتهم الانتخابية المقبلة. مصادر في مصلحة المياه اكدت العجز عن قمع التعديات على الشبكة، «فكل بلدة لها هيبتها، وهناك قرى نعجز عن الدخول اليها، وموزعو المياه ممنوع التعاطي معهم في القرى رغم مخالفاتهم، فهؤلاء بمعظمهم محسوبون على هذه الجهة او تلك»، ولا تخفي المصادر ايضاً انها «تتجنب قمع المخالفات، درءاً للفتنة وكي لا يسيل الدم»، وعن حرمان الفقراء المياه بسبب تعديات الكبار تقول المصادر «ما فينا نعمل شي».
هذا وجه من وجوه تحلل الدولة ومؤسساتها، فهنا السلطة للاحزاب، وحدها تحدد خيارات القرى وايضاً هويتها المقبلة، فالقرى اليوم تعيش حالة فوضى ازمات، المياه مفقودة نهائياً رغم كل مشاريع الطاقة الشمسية، وخط الخدمة 24 وخط التوتر العالي 16 ك.ف، فكلها لم تجد نفعاً، بل زادت الازمة تفاقماً، وصرخة المياه بدأت تعلو اكثر وسط تخوف من انفجارها في اي لحظة، خاصة وان الناس باتت عاجزة عن دفع ثمن المياه الذي حلّق مع تحليق الدولار.
ليست فقط ازمة المياه التي ترهق القرى، بل ايضاً ازمة حرق الاطارات في وادي الكفور، هذه الازمة لم تتمكن القرى من حل لغزها وفكفكة شيفراتها، فالدولة غائبة بالمطلق عن هذه الكارثة البيئية، الاهالي بدأت تظهر عليهم علامات الربو والحساسية، وامراض السرطان تتكاثر ولا من يتحرك. بات الوادي الذي يقع عند مربع الكفور، حبوش، دير الزهراني والشرقية، مقصد كل تجار حرق الاطارات، اذ يستقطب يومياً مئات الاطارات المحملة من مختلف القرى والبلدات اللبنانية، والتي يجري حرقها لسحب النحاس، حتى دخان الحريق الاسود لم يحرك القوى الامنية ولا اجهزة الدولة لوقف المجرمين، والاجتماع الثلاثي الذي ضم محافظ النبطية حسن فقيه ورئيس بلدية الكفور خضر سعد ورئيس بلدية دير الزهراني، وخصص للبحث في ازمة وادي الكفور، لم يخرج بنتيجة، بل برمي المسؤوليات وتقاذفها، حتى انه لم يصر الى اتخاذ قرار وقف دخول الآليات المحملة بالاطارات الى الوادي، وكأن الامر عادي.
في كل يوم، ومع تفاقم الازمات، يزداد الوضع سوءاً ويتأكد اكثر انهيار الدولة العاجزة اصلاً عن فرض تسعيرة واحدة على السلع الغذاية، حتى انها عاجزة عن فرض تسعيرة واحدة لكيلو البندورة، فكيف لها ان تفرض هيبتها على محتكري السوق؟ لا تخفي مصادر مواكبة خطورة الوضع، وتردد على الدوام «الله يعين الناس»، فوفق هذه المصادر «إننا مقبلون على مرحلة دقيقة وحساسة جداً على مختلف الصعد، والخشية الاكبر من انفلات الوضع الداخلي والامني، فتفاقم الازمات الحياتية الاساسية قد يجر نحو الفوضى التي قد تخرج من المصارف او من محطات المحروقات التي وضعت لنفسها دوام عمل، وهناك من يتوقع خروجها من المستشفيات التي باتت بحد ذاتها جمهوريات حرامية لا معالجة، وفقدت حسها الانساني وفرضت نظام الدفع المسبق وإلا لا علاج، ولا يخفي ابو احمد الامر، فهو يؤكد ان احد المستشفيات رفض تخييط جرح احدى المواطنات لانها لا تملك ثمن القطبة، وهو امر قد يجر الى الفوضى، وايضاً يقول يوسف ان احد المستشفيات فرض الدفع المسبق للعملية، وحدد جزءاً منها بالفريش دولار وإلا يموت المريض، وهو أمر بات يقلق كثراً لأن هذا الواقع قد يجر نحو الفوضى التي لن يوقفها احد، ولن يقف عناصر الامن في وجه المريض، فعنصر الامن نفسه بات عرضة لابتزاز المستشفيات وحياته قد تكون في خطر اذا لم يدفع.
على ما يبدو ان زمن الفوضى اقترب، وشعلته قد تكون إما المستشفيات أو المصارف أو حتى محال الخضار وربما المحطات، ففي ظل انجراف مؤسسات الدولة في الاضراب والاعتكاف يصبح الفلتان امراً متوقعاً، إلا اذا حصلت معجزة.