“مستحيل مد إيدي لحدا… أريد أن أحافظ على كرامتي”
جمعهما العمل في الشارع، فكلاهما يواجهان ظروفاً صعبة، يبيعان الفول والقطايف، فقط لأنهما يرفضان مدّ أيديهما لأحد، بل يريدان العيش بعرق الجبين…
في سوق النبطية يجلس أبو سعيد أمام بسطته لبيع الفول، لم يتقاعد يوماً رغم تخطيه السبعين من العمر، ما زال يواصل رحلة شقائه المرة في بلد «الشحار والتعتير»، يرفض أن يذلّه أحد، لذا تجده يبيع الفول على بسطته الصغيرة عند مدخل سوق اللحم في النبطية، فهو عايش الكثير من الحروب، حتى أنه بقي يبيع القهوة في حرب تموز 2006 ولم يترك النبطية، لكن لم تمر عليه حرب مماثلة كتلك التي غطّت بغبار أزماتها البلد كله، فالبلد بنظره مريض سرطان يحتاج إلى علاج كيميائي طارئ، غير أن الدواء مفقود، حتى إدخاله إلى غرفة العناية الفائقة صعب، لأنها معطلة، يحمل أصابع الفول الخضراء بين يديه، يريد أن يعيش كفاف يومه، فالوضع برأيه صعب للغاية، وأكثر، يؤكد عجزه عن تأمين أبسط مقومات الحياة، ومع ذلك يؤكد «مستحيل مد يدي لأحد، أريد أن أحافظ على كرامتي».
مع استفحال موجة الغلاء غير المسبوقة، يحاول أبو سعيد أن يبيع الفول بأقل من سعر السوق، يدرك أن «الوضع خرج عن السيطرة والزمن زمن الفول والعلت والعصورة، لأن أسعارها ما زالت مقبولة، مقارنة بباقي الأسعار». ما يزعجه أن «لا أحد يقف قرب الفقراء أو يدعمهم، ومع ذلك يمضي في بيعه الفول، علّه يتمكن من الصمود أمام إعصار الغلاء.
على مقربة منه يقف أبو محمد أمام بسطته لبيع القطايف أو «حلو الفقراء»، اختار صناعة القطايف الرمضانية على أن يقف عاجزاً عن تأمين أساسيات منزله، صحيح أن سعر الكيلو تخطى الـ40 ألف ليرة في المحال إلا أنه يبيعه بـ24 ألف ليرة، لأنه «بدي عيش، ولا أريد أن أصنع ثروة»، وفق قوله فإن «كلفة كيلو القطايف لا تتجاوز الـ19 ألف ليرة لبنانية، وأكتفي فقط بربح 6 آلاف. الأزمة الحقيقية أننا نغرق في الذل ولا نصرخ والناس دخلوا زمن القحط، حتى شراء القطايف تراجع بشكل كبير»، ويسأل «من المسؤول عما آلت إليه أحوالنا؟».
لا يتردد بتحميل كلّ الزعماء مسؤولية فقر الناس، فعلى مرّ السنوات لم تخرج السياسات الإصلاحية الداعمة للمواطن من أبواب الحكومات المتعاقبة، بقي المواطن حقل تجارب للغلاء ومدى تحمله رفع الأسعار، حتى مع فورة الغلاء غير المسبوق لطبق الإفطار اليومي أو طبق الفتوش، بقي الناس صامتين، مع اعتماد نظام التقنين والتقشف. حتى الحلو الرمضاني يكاد يغيب عن موائدهم إذ سجلت دزينة قطايف القشطة 120 ألف ليرة بعدما كانت في العام الماضي بـ15 ألف ليرة، هذا عدا عن تخلي الناس عن الجلاب بعدما سجل سعره 110 آلاف ليرة، وبات محسوباً على الأغنياء فقط.
ثمة ما يقلق أبا محمد وأبا سعيد هذه الأيام، ماذا لو أصيبا بنكسة صحية، أو احتاجا لدواء أو علاج طارئ، كيف سيكون عليه حالهما؟ فلا بائع الفول قادر على توفير طبابته ولا بائع القطايف يملك حظوظاً بتوفير ثمن الدواء، فقط لأن الزعماء أدخلوا البلد في كومة، فهل تغير الانتخابات واقع الحال أم «دق المي مي»؟.