IMLebanon

شهوةُ القصور وناطور الدستور

 

طالما فكَّرتُ في مخاطبة الرئيس نبيـه بـرّي… هَمـمْتُ ثـمّ تردَّدتُ ثـمَّ أقدمْت، عندما سمعتُ أنّـه «مستعدٌّ للسير على الأقـدام إلى قصـر بعبدا»، فيما السيرُ على خُطـى الدستور أحجـى وأجـدى.

 

وما يحفّـزني على مخاطبته والتوجّـه إليه معرفتي بحِـدَّةِ ناظرَيْـه، وقد جمعتنا الزمالة الوزارية على مـدى سنوات أربـع، بما كان بيننا مـن «ثنائيةٍ» في التعاونٍ والودِّ، لم تكنْ قائمةً بين بعضٍ آخر من الوزراء الأقطاب عبـرَ جبهتين منقسمتين.

 

وما كان يشدّني إليه، ما كنت أتوسّم بالإمام الصدر من سمـوّ القامة الوطنية وهو يجلس في كنيسة تحت الصليب لتحطيم أصنام الهيكل الطائفي بسيف القرآن والإنجيل: «أنا قارعُ أجراس الكنائس، أنا مؤذّن الجوامع… لبنان رسالة في وطـن… أعدلوا قبل أن تصبح قصوركم في مزابل التاريخ…»(1)

 

أنْ تخاطب الرئيس نبيه بـرّي فلستَ في حاجة إلى أن تشرح لـه فواجع الوطن، فهو يعرف ما آلـت إليه حـال لبنان المقسّم، والدولة المبعثرة والمؤسسات المتناثرة والنظام المهشّـم.

ويعرف أنّ الشعب أصبح قطيعاً مشرّداً من الخراف، وليست هناك جماعةٌ من الخراف تتعاهدُ مع الذئاب إلاّ في خيال إبـن المقفّع في «كليلة ودمنـة».

 

ويعرف أنّ خصائص لبنان التاريخي والحضاري والديمقراطي والإنساني التي كان يتباهى بها على أُمَـمِ الأرض، أصبح معها لبنان هائمـاً في شوارع العالم كمثل الصبيّ اللّقيط.

إسرائيل كانت تخشاه منافساً، والحسّاد يخشونه ممّيـزاً، فالتقى الأضداد حلفاء عليه حتى الإنقضاض، والقيّمون عليه يلتقطون زوراً لسانَ إبراهيم إلى ولـده اسماعيل: «يا بنـيّ إنـى أرى في المنام أنّـي أذبحك»(2) .

 

هذا اللبنان، الذي يتموَّج على أجنحة الريـح، عاصفةٌ فيه تستدرج عاصفة سقطَ من منظومة الأمـم، الدولُ: شقيقةً وصديقة تحتجب عنـه، وتحجب عنه المساعدات، ولا خلاص لـهُ ولا حياة مع هذه الطبقة السياسية الفاسدة.

الإنتخابات النيابية والرئاسية، مع أنها واجبٌ دستوريٌّ حتميّ فهي اليوم بمثابة الأمر التاريخي الملـحّ لوقْفِ نزيفِ وطـنٍ يترنّح بين الموت الرحيم والموت الرجيم.

 

الذين يحاولون إجتراح التعجيزات للقضاء على الإنتخابات، بما يراود الأذهان من أحلام التمديد فهم في هذه الحـال يمدّدون لقافلة الزوال.

التمديد، لم يُعـدْ همساً في ساحة النجمة ولا على ألسنة المنجّمين، ولـم يعُـدْ سرّاً بين جدران القصر فقد تسرّب إلى سطوحها ، بل هو رغبـةٌ معلنة «إذا ما تكرّم بها المجلس النيابي» فقد يضحّي السلطان باستلام الصولجان.

 

التمديد في لبنان أكثر ما كان، في ظـلّ الإنتداب الفرنسي والوصاية السورية، إلاّ إذا كنا اليوم أيضاً تحت حكم الوصاية والإنتداب.

ثـمّ لماذا التمديد ولمـن…؟

للمجلس النيابي…؟ لأيِّ مجلس وأيّ نيابـةٍ وأيِّ دولة وأيّ لبنان…؟

هل التمديد للرئيس اللبناني في المنفـى، أو للرئيس اللبناني في المهجر إيمانويل ماكرون…؟

نمـدّد للملك أوْ للوصيّ…؟

 

للملك لويس السادس عشر وأهـل البلاط والنبلاء وماري أنطوانيت والعقد المرصّـع وسجن الباستيل… أوْ لطبقةِ عامّـةِ الشعب حين كانت كلمة الشعب تعني الإحتقار.

ما دام المجلس النيابي قد انتزع من دستور الطائف حـقّ تفسير الدستور، والدستور كما يقولون: هو الحاجز المُقام عند حافـةِ المنحدرات الشاهقة للإنقاذ من السقوط، فلا مجال بعد، للعَبتْ بالتأويل والتفسير والمقامرة بالمصير.

 

إنّها المسؤولية التاريخية تُلقى على عاتق المجلس النيابي لإجراء الإنتخابات النيابية والرئاسية، بل على رئيس المجلس تحديداً، الذي يُعتبـر ناطور الدستور، وعلى الناطور في الحالات العصيبة أنْ يستعمل العصـا القانونية بـدل المطرقة.