تستطيع أن تنتقد رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي في أمور كثيرة، مثل اتهامه بسوء إدارة وزراء “أمل”، أو عدم وجود تداول للسلطة في “الحركة”، أو تُسجّل عليه مآخذ سياسية عدّة مثل خطه السياسي الموالي للنظام السوري، لكن الأكيد أنك لا تستطيع التشكيك بـ”عتقه” في البرلمان.
منذ أن أبصرنا النور، ونبيه برّي رئيساً لمجلس النواب، وقد دخل كتاب “غينيس” كأول رئيس مجلس يبقى في رئاسة المجلس طوال هذه المدّة، فهو منذ عام 1992 يتربّع على الكرسي الذهبي للرئاسة الثانية، وتحوّلت بفعل أجنحته السياسية المتمدّدة إلى كرسي تبيض ذهباً لأبو مصطفى، ومعه بات العمود الفقري لهذا النظام الذي ثار عليه الشعب اللبناني.
وإذا كان المثل يقول: “غلطة الشاطر بألف”، فإن ما فعله بري في افتتاح جلسة مناقشة البيان الوزاري يشبه إلى حدّ كبير طريقة الإدارة العشائرية لمجلس النواب. أبو مصطفى كان مستعجلاً، فكيف لا، والشعب يطوّق قلعته وإذا مُدّدت الجلسة إلى يوم ثانٍ فلا أحد يكفل وصول النواب، وبالتالي “لعبها” أهلية بمحليّة، “يلا يا شباب بلشو في نواب واعديني يحضروا”، وآخر همه النصاب وما إذا كانت الجلسة دستورية أو لا، في مشهد يذكّر بفكرة تنفيذ المشاريع العمرانية او الإستثماريّة ومن ثمّ قوننتها لاحقاً.
ويبدو أن بري بات ينوء تحت عبء اللقب الذي يحمله وهو “الأستاذ”، إذ إن “زحطة” جلسة الثقة جعلته تحت مرمى المعترضين وحتى الدستوريين، إذ ان الآراء أجمعت على عدم دستوريّة ما فعله.
وفي هذا الإطار، لا بدّ من الإستناد إلى رأي دستوري، إذ يؤكّد الوزير السابق المحامي زياد بارود لـ”نداء الوطن” أن “المادة 34 من الدستور واضحة وتنصّ على أن نصاب جلسة الثقة يجب أن يحضرها نصف أعضاء مجلس النواب زائداً واحداً، أي 65 نائباً، ولا يحتسب من يتغيّب سواء بعذر أو بلا عذر”.
ويلفت بارود إلى أن قول بري بأن هناك نواباً في حرم المجلس غير قانوني، “لأن عدد النواب يحتسب للذين داخل قاعة المجلس وليس للمتواجدين في مكاتبهم أو في الأروقة، وهنا نعود بالذاكرة إلى جلسات انتخاب رئيس الجمهورية الأخيرة حيث كان ينزل نواب “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” إلى المجلس ويلازمون مكاتبهم ولا يدخلون القاعة العامة، وبالتالي لماذا لم يحتسبهم بري آنذاك من ضمن الحضور؟”. ويشدّد على عدم وجود ما يعرف بحرم المجلس، بل إن المنطق الدستوري هو الوجود داخل الجلسة.
هيبة كُسرت
هذا على الصعيد الدستوري، أما سياسياً، فيبدو واضحاً أن هيبة برّي قد كسرت بعد ثورة 17 تشرين، فـ”صمام الأمان” لم يعد بالقوة نفسها، والثورة استهدفت برّي بالمباشر، وحمّلته مسؤولية كبيرة بما حلّ بالبلد منذ ما بعد “اتفاق الطائف”، حتى انه لم يعد يمون على أقرب المقربين منه بعدما انتقل مركز القرار السياسي من عين التينة إلى حارة حريك وبات “حزب الله” يتدخّل في إدارة الملفات بالمباشر بعدما كان يسلّم هذا الأمر لبرّي.
لم يعد برّي يمون على نواب من المفترض أن يدوروا في فلكه، وهذا ظهر جلياً من خلال خذل قوى “8 آذار” له، إذ إن النصاب لم يكن مؤمناً، فاستعان بصديقه رئيس الحزب “التقدّمي الإشتراكي” وليد جنبلاط من أجل مدّه بعدد من النواب لإنقاذ جلسته، لكي لا يقال إن أبو مصطفى قد كُسر، وقد حصل ذلك على رغم إنكار جنبلاط لهذا الأمر.
يبدو أن الخريف يقترب من رئاسة بري لمجلس النواب، فـ”حزب الله” لم يعد قادراً على تغطية بعض التجاوزات خصوصاً بعد إعتداء “أمل” على المتظاهرين قرب مجلس الجنوب، في حين أن اللواء جميل السيّد يتجرّأ عليه، وبالتالي فإن وضعه صعب، على رغم حالة النكران التي يعيشها مع الطبقة السياسية التي تتصرف وكأن شيئاً لم يحصل.
لا يستطيع أحد إنكار أن الهالة سقطت من حول برّي تحت وطأة هتافات الشارع. وباتت كثيرون يصفون شرطة مجلس النواب بالميليشيا المسلّحة، على رغم أنها تقبض رواتبها من الشعب اللبناني، وقد قالت وزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن في مقابلتها مع الإعلامي مرسيل غانم إن شرطة المجلس هي من كانت ترشق الثوّار بالحجارة من على سطح المباني وسط بيروت.
“صمام الأمان”، “الأستاذ”، “الضمانة”، كلها ألقاب أطلقت على بري وسقطت بالضربة القاضية، وبات رئيس مجلس النواب في مواجهة مباشرة مع الشعب، في حين أن كل الذين حاولوا تمييزه عن “حزب الله” سقطوا في الفخ، خصوصاً بعدما أقفل مجلس النواب بعد عام 2006 وأخفى مفتاحه.