كسر الرئيس نبيه بري، في مؤتمر اتحاد البرلمانات العربية، الجمود النمطي الذي تعبّر عنه البيانات (التقلدية) التي تقول كلاماً كثيراً معظمه من اللغة الخشبية ليس إلا.
ولقد بدا رئيس المجلس النيابي اللبناني وكأنه يغرّد خارج السرب عندما رمى المؤتمر بالسؤال الآتي: أين التضامن العربي؟!.
السؤال، في ظاهره، مألوف جداً وبسيط جداً وكلاسيكي إلى أبعد الحدود، ولكنه في عمقه أكثر من مُلحّ وضاغط، في هذه المرحلة التي بلغ التشرذم ذروته بين مختلف البلدان العربية، من دون أن نستثني أياً من التجمعات الإقليمية، في مشارق الأمة ومغاربها… وهي حال تتحدث عن ذاتها بذاتها ولا تحتاج إلى كثير شرح، إذ تكفي نظرة إلى الخريطة العربية ليتضح أن كلّاً يغني على ليلاه أو أن كلّاً يبكي واقعه المأزوم من دون أن يمد أيُّ أخٍ يداً إلى أخيه. ولن نمضي إلى الأبعد في هذه المسألة، بالرغم من حيويتها وأهميتها (…).
والتضامن العربي انشودة ترددها الألسن منذ ما قبل قيام جامعة الدول العربية في النصف الثاني من عقد الأربعينات في القرن العشرين الماضي. وأخبرنا معاصرو الحدث أنهم شعروا بالاطمئنان وعاشوا الفرحة العارمة إثر الإعلان الصادر عن جامعة الدول العربية عن قيام مجلس الدفاع العربي المشترك في شهر حزيران من العام 1950 على أمل ترجمته على الأرض، خصوصاً أنه تقرر بعد نحو سنتين من زرع الكيان الصهيوني في فلسطين، على قاعدة أنه بات ثمة إطار للعمل العربي المشترك، فلا يبقى الشعار طموحاً مكسوراً وأملًا خائباً… واتجه المُرتجى نحو تعاون، ولو في الحد الأدنى، انطلاقاً من الاعتقاد بأن هذا التعاون العربي المنشود، سيُنشئ في المنطقة قوة فاعلة اقتصادياً ومالياً وثروات طبيعية وامتداداً للجغرافيا… ما يوفر المتطلبات كافة حتى لقوة عسكرية مُهابة!.
وسرعان ما تبخر ذلك كله ليتبين أنه مجرد أضغاث أحلام بسبب الحساسيات والأنانيات والذاتيات إلخ…
وليت سؤال الرئيس نبيه بري في المؤتمر يُشكل وخزاً في الضمائر.