برّي باقٍ من دون منازع… وطريقا بعبدا والسراي لن تكونا معبّدتين
بعدما وضعت المعركة الانتخابية أوزارها، وبعدما أصبحت القوى السياسية بمختلف تلاوينها علىعلم بأحجامها تحت قبة البرلمان، وبعدما باشر كل معني بهذا الاستحقاق بمراجعته العميقة لمعرفة أين أصاب وأين أخطأ، بدأت الأنظار تتجه الى مرحلة ما بعد الانتخابات، التي ستليها استحقاقات ثلاثة أولها انتخاب رئيس للمجلس، وثانيها تأليف حكومة جديدة، وثالثها انتخاب رئيس للجمهورية.
من خلال القراءة الأولية لنتائج هذه الانتخابات وما أفرزته من موزاييك سياسي، يتبين لنا أننا سنكون أمام مربعات نيابية، لم يشهدها المجلس منذ اتفاق الطائف، وهذه المربعات بالتأكيد ستساهم في تفاقم الأزمة السياسية التي سيكون لها أثرها السلبي على المستويين الاقتصادي والمعيشي، ولا سيما أن الخارطة السياسية الجديدة للمجلس لن تفرز أي أكثرية لأي جهة، وفي حال تعذر التفاهم بين مكونات المجلس الجديد، فهذا يعني أننا سنكون أمام كباش سياسي خطير عند أي مفترق أو أي استحقاق دستوري مهما كان نوعه، بدءاً من رئاسة المجلس مروراً بتأليف الحكومة، وصولاً الى رئاسة الجمهورية، وما بين هذه الاستحقاقات من مواضيع تتطلب مناقشة تحت قبة البرلمان، وهو ما دلت عليه بوضوح المواقف السياسية التي سبقت ورافقت وأعقبت الانتخابات النيابية، حيث حملت هذه المواقف الكثير من الشعارات التي تحرّض بشكل مباشر على الفتنة، والجنوح باتجاه التطرف السياسي والمذهبي، وصولاً الى مجاهرة البعض ممن انتشى بالنتائج الأولية للانتخابات بأنه لن ينتخب بواسطة كتلته الرئيس نبيه بري لرئاسة المجلس، وزاد على ذلك برفضه أن تكون الحكومة المقبلة حكومة توافق، بل طالب بأن تؤلف الحكومة الجديدة من الأكثرية، قافزاً بذلك على قواعد عدة تحكم لبنان، ليس أقلها صيغة العيش المشترك، والتوافق والتفاهم، من دون أن يأخذ في الحسبان مخاطر ما يمكن أن ينجم عنه هذا التوجه الذي على ما يبدو يتماهى مع العاملين الاقليمي والدولي ويتجاهل العامل الداخلي.
وبغض النظر عما تفوّه به الكثيرون ممن استبقوا النتائج النهائية للانتخابات، ولم ينتظروا حتى أن يُعلن وزير الداخلية هذه النتائج، فإن إعادة انتخاب الرئيس نبيه بري لرئاسة المجلس ستكون اسهل الاستحقاقات باعتبار انه لن يكون هناك أي منافس له لهذه الرئاسة، بغض النظر عن أعداد الأصوات التي سينالها، في حين أن مسألة تأليف الحكومة ستكون معقدة وهي ستبدأ فور إعلان رئيس الجمهورية موعد الاستشارات الملزمة لتأليف الحكومة الجديدة، وعلى ما يبدو فإن المناخات الموجودة لا تؤشر إلى أن ولادة الحكومة العتيدة ستكون سهلة، بل هناك من يرى بأن هذه الولادة ستمر بمخاض عسير، من شأنه أن يُطيل عمر حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها الرئيس نجيب ميقاتي، مع الإشارة الى أن عمر الحكومة الجديدة في حال تألفت لن يكون طويلاً حيث يفترض بها أن تكون بحكم المستقيلة مع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية.
تبعثر ممثلي المجتمع المدني يُفقدهم قوة التأثير والإنتاج
أما الطامة الكبرى فستكون عند انتخاب رئيس جديد للجمهورية، حيث تتلاقى كل المعطيات والمعلومات عند ثابتة أن هذا الاستحقاق محاط بكثير من العقبات والألغام، وأنه في حال غاب التفاهمان الاقليمي والدولي على اسم جديد للجلوس على كرسي الرئاسة في بعبدا فإن ذلك يعني أن البلاد ستكون أمام مأزق سياسي يشرع الأبواب السياسية على شتى الاحتمالات.
من هنا فإن الخمسة أشهر المتبقية من عهد الرئيس ميشال عون ستكون حبلى بالتجاذبات السياسية والاضطرابات المعيشية والاقتصادية، كما أن هناك هواجس مبررة لدى البعض من أن نكون أمام سيناريو أمني ناجم عن الاحتقان السياسي والمعيشي قد يؤدي إلى تدخل إقليمي باتجاه عقد مؤتمر دولي ينجم عنه اتفاق جديد على شاكلة اتفاق الطائف يتضمن تعديلات في بعض النقاط الجوهرية في هذا الاتفاق عل ذلك يساهم في تبريد الأجواء، ونقل لبنان من بؤرة التدهور الاقتصادي والمالي التي تكاد تطبق على أنفاس غالبية الشعب اللبناني.
أمام هذه المشهدية النيابية الجديدة التي دخلت على خطها اقلية تضم نواباً من المجتمع المدني، فإن ثمة من يرى أننا ذاهبون الى مرحلة سياسية لن تكون مريحة على الإطلاق، وأن المعطيات تؤكد أن القاعة العامة في المجلس النيابي ستكون دائمة الضجيج والصراخ العالي، ولا سيما أن هناك من يعتقد بأن مجرد دخوله الى الندوة البرلمانية سيصبح قادراً على تغيير ليس الواقع السياسي في لبنان وحسب، إنما تغيير وجه العالم والتأثير في السياسات الخارجية، متجاهلاً أن في لبنان قواعد وأعراف لا يمكن لأي فريق القفز فوقها مهما علا شأنه، وأن ما هو مطلوب هو أن تثبت كل القوى السياسية أقدامها على الأرض وأن يعمل كل فريق من منطلق القول المأثور: «رحم الله امرئ عرف حده فوقف عنده».