حتى الأسبوع الماضي، كانت الحكومة “تتسلى”. مع وضع الخطة المالية على جدول النقاش الجدي بين مختلف القطاعات المعنية، وُضعت حكومة حسان دياب عنوة على “حلبة الملاكمة”. ومن كان طوال الفترة الماضية “يدلّلها” أو يغض ّالطرف عنها، فتح النار بوجهها، بمجرّد أنها قررت دخول حقل ألغام المصالح الكبيرة.
إنضم رئيس مجلس النواب نبيه بري عبر فريقه الحزبي إلى قافلة ممانعي المسّ بأموال المودعين، بعدما أقرّت الحكومة رسمياً بوجود فجوة مالية ضخمة تتجاوز قيمتها الـ80 مليار دولار، هي عبارة عن خسائر مالية موزعة بين الخزينة العامة، مصرف لبنان والمصارف الخاصة. وأعلنت حركة “أمل” رفضها المطلق “أي مساس بأموال المودعين وتضييع جنى عمرهم تحت أي ظرف أو مسمى”.
الرئيس بري لا يستسيغ أصلاً كل تركيبة حسان دياب، ولا يتردد في استهدافها بشكل مباشر ولو أنّه يدرك جيداً أنّه لا بديل عنها وعليه التأقلم مع فكرة بقائها وكونها “آخر الحلول الممكنة”.
فهل هذا يعني رفضاً ضمنياً للخطة المالية لتكون أولى ضربات “ذوي القربى”؟ وهل سيكون مصيرها ما حلّ بمشروع قانون “الكابيتول كونترول” بسبب الخلاف على موجباته بين بري ودياب؟
لا تحسم الخطة المالية الموضوعة أمام الحكومة الاتجاه لكيفية معالجة هذه الفجوة، لا سيما في ما خصّ مصير الودائع المتبخّرة اذا ما قررت الحكومة الامتناع عن سداد دينها الداخلي أسوة بالخارجي، وتتركها متأرجحة بين عدة خيارات منها على سبيل المثال انشاء صندوق نهوض اقتصادي يضمّ جزءاً من أصول الدولة، يسمح للقطاع الخاص بالمشاركة في ملكية بعض القطاعات العامة، أو من خلال فرض ضرائب تصاعدية على الفوائد المحققة طوال السنوات الماضية. لا تأتي الخطة على تعبير “هيركات”، وإن كانت المعالجات المطروحة هي نوع من “هيركات” مقنّع طالما أنّ الودائع المالية لن تعود إلى أصحابها على شكل “بنكنوت”، أقله في المدى المنظور. ولهذا لا يتردد المقربون من رئيس مجلس النواب التأكيد أنّ الخطة المعروضة للنقاش ليست “مرذولة” بشكل مطلق، طالما أنّها خرجت من مكاتب وزير المال المحسوب على “أمل”.
بنظر هؤلاء فإنّ التحذير الذي أطلقته “الحركة” يمثل حجر الزاوية للمعالجة المالية وأساس الخطة المراد اقرارها، لأنه يحدد مسارها لمعالجة نتائج الهدر والعجز التي كانت تمرّ به البلاد منذ سنوات.
ولكن تبني الرئيس بري للخطة التي تحظى بتوقيع وزير المال، لا يعني أبداً السير “على العمياني” بها لا بل في جعبته الكثير من الملاحظات الجوهرية على جزء من مضامينها، والتي يفترض أن يعبّر عنها تباعاً، لا سيما وأنّ الخطة لا تزال موضع نقاش على طاولة مجلس الوزراء وسرعان ما ستحطّ رحالها في مجلس النواب.
تنطلق ملاحظات الرئيس بري، وفق المقربين منه من قاعدة أنّ هذه الخطة تستهدف الدائنين الأجانب ويفترض أنّها تشكل قاعدة تفاوض معهم لاعادة هيكلة الدين الخارجي. ولهذا ثمة تساؤل جوهري: لماذا يدرج مثلاً بند اعادة هيكلة المصارف الخاصة ضمن الخطة؟ لماذا تتضمن بنوداً ضريبية؟
يشير هؤلاء إلى أنّ بري سيقف سداً منيعاً أمام أي محاولة لسدّ ديون الدولة من جيوب الناس، مشيرين إلى أنّ الخطة لا تذكر أي نوع من “الهيركات”، وثمة بدائل كثيرة مطروحة للنقاش يمكن الركون إليها في سبيل معالجة الفجوة المالية. ويؤكدون أنّ قانون الشراكة بين القطاعين الخاص والعام والذي جرى اقراره في مجلس النواب قد يكون حلّا معقولاً ومقبولاً يمكنه المساهمة في تعويض بعض الودائع الكبيرة، كما أنّ بعض المودعين الكبار يقولون صراحة إنّهم لا يمانعون في التضحية بقيمة الفوائد التي حصّلوها خلال السنوات الماضية شرط استعادة “خام” رساميلهم. ويلفتون إلى أنّ الخطة تعاني من بعض “الحشو” غير المناسب في مكانه وفي توقيته، ولذا من الضروري تنقيحها جيداً قبل وصولها إلى مجلس النواب، لمنع تكرار ما حصل مع مشروع قانون “الكابيتول كونترول”.
ينقل هؤلاء عن الرئيس بري تحذيره الجدي من “كثرة الطباخين” في السراي الحكومي، الذين قد يحرقون الطبخة إذا ما حاولوا جميعاً “إلصاق” نصائحهم في متن الخطة المالية. يقولون إنّ مشروع “الكابيتول كونترول” دخل إلى السراي الحكومي، على غير ما خرج منها. كان في صيغة وأضحى بصيغة مختلفة، بعدما تمّ وضعه “على المخرطة”. ولهذا قرر وزير المال غازي وزني، وبطلب من الرئيس بري سحبه من التداول.
ويؤكدون “لا يزال الرئيس بري متريثاً، لكنّ “عجقة المستشارين” في السراي تثير الريبة في ذهنه، ويخشى من أن يحلّ بالخطة ما سبق وحلّ بمشروع “الكابيتول كونترول” اذا ما تمّ تفخيخها ببعض البنود غير الملائمة”.