يبدو أنّ “رَتق” العلاقة بين قصر بعبدا وعين التينة يزداد صعوبة مع اقتراب موعد نهاية ولاية الرئيس ميشال عون وانتفاء الحوافز على الضفتين لـ”المسايرة” التي كانت تفرضها احياناً ضرورات التواصل او التعاون بين الموقعين، الأول والثاني في الدولة.
إنطوَت المواقف الأخيرة لرئيس الجمهورية ميشال عون على رسائل سياسية عدة، كان لرئيس مجلس النواب نبيه بري نصيبه منها، بعدما ألمح عون الى انّ بري “حرّض” الرئيس نجيب ميقاتي على رفض اقتراح تعيين وزراء دولة، وصولا الى تحميله رئيس المجلس مسؤولية عرقلة إقرار مراسيم التشكيلات والقوانين الإصلاحية.
لكن زاوية الرؤية من عين التينة هي مُغايرة تماما لتلك السائدة في قصر بعبدا، ليس الآن فقط، بل على امتداد سنوات العهد، حيث تراكمت بين المَقرّين مجموعة من الفروقات والافتراقات، التي كان بعضها ظاهراً وبعضها الآخر كامناً كالجمر تحت الرماد.
أمر واحد وافق بري مع عون عليه في كلامه الاخير، إذ يؤكد رئيس المجلس لـ”الجمهورية” “ان قول عون انّ ميقاتي كان موافقا على ضم ستة وزراء دولة الى الحكومة ثم تراجع بعد تواصله معي إنما هو تهمة لا أنكرها وشَرف أدّعيه”، لافتا الى انه من غير الجائز ان يكون أمام رئيس الحكومة على الطاولة 30 رئيس جمهورية قادرين على عرقلة كل الأمور، كما حصل مع حكومة الرئيس تمام سلام بعد الشغور الرئاسي حيث كان يوجد ايضا حول طاولة مجلس الوزراء 24 رئيس جمهورية، ما أدى إلى التعطيل والخراب، لأن كل وزير كان يستطيع وقف اي قرار او مرسوم.
ويتساءل بري باستغراب: أين الحكمة والمصلحة في تكرار التجربة نفسها التي أثبتت فشلها وألحقت الضرر بمصالح اللبنانيين والدولة؟
ولا يتفق بري مع رئيس الجمهورية على أنّ إصدار مراسيم النفط والغاز هي من إنجازات العهد، معتبرا ان عون طبّق القانون الذي اصدره المجلس النيابي.
اما قانون الانتخاب فلا يجد فيه بري ما يستحق أن يكون إنجازا، مشيرا الى انه كناية عن “ميني ارثوذكسي”، زاد الطائفية والمذهبية استعارا في البلد، “بدل ان يدفعنا الى الامام”.
واذا كان عون قد أوضح انه طلب من ميقاتي التدخل لإقناع بري بالتجاوب مع إقرار بعض المراسيم المجمدة والمتعلقة بالترقيات في الجيش والتشكيلات في الجامعة اللبنانية والقضاء، فإن لدى رئيس المجلس مقاربته المغايرة لهذا الملف، كاشفاً ان وساطات جرت بين قصر بعبدا وعين التينة لترتيب تفاهم حول هذه المسألة، “وأنا شخصياً تكلمت مع الرئيس عون وقلت له بصراحة: لا يصح ان نطبّق معيار الطائفية في مكان ولا نطبق هذا المعيار او حتى سواه في مكان آخر”.
ويسرد بري لائحة طويلة من التعيينات المعلقة، مشيرا الى ان عون يرفض إقرارها على رغم أنها لا تضم سوى ناجحين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية، “فما ذنبهم حتى يتم تدفيعهم ثمن هواجس غير مبررة؟”.
ويعدّد بري المدرجين في “لائحة المغبونين” كالآتي:
• محاسبون في الادارات العامة
• حراس الاحراج
• موظفون في وزارة العمل
• فنيون في وزارة الاشغال
• معاون امين صندوق في وزارة المالية
• أمناء صندوق في وزارة الاتصالات
• المتطوعون في الدفاع المدني
• أساتذة التعليم الثانوي الرسمي
ويلفت الى انّ “المطلوب تعيينهم هم ناجحون في مجلس الخدمة، اي انهم من الأكفّاء والمستحقين، وهناك قرارات صادرة عن مجلس الوزراء في شأنهم. وبالتالي، يجب إنصافهم بعدما مكثوا طويلا على رصيف الانتظار، وانا أبلغت فخامة الرئيس موقفي بوضوح ولا استحي به: “إمشِ بتعيين هؤلاء أمشي انا بما تطلبه مني”.
ويتساءل بري: لماذا مطلوب من وزير المال ان يوقّع هنا ولا يوقع هناك خلافاً لمقتضيات العدالة والتوازن؟
ويضيف بري: اما بالنسبة إلى الشأن القضائي فقد أتى الرد من مجلس القضاء الأعلى نفسه الذي صحح الخلل بالعودة الى التوازن في ما صدر عنه، على قاعدة خمسة بخمسة وليس خمسة بستة، ولا علاقة لوزير المال بهذا الجانب.
ويستغرب بري كيف أنّ عون يحمّله مسؤولية تأخير القوانين الإصلاحية في مجلس النواب، مؤكدا انه لا يهدأ ويعمل ليلاً ونهاراً لإقرار التشريعات الضرورية، “وكلما انتهت اللجان النيابية من درس مجموعة مشاريع أبادر فوراً الى تحديد موعد لجلسة تشريعية من أجل البَت بها، وقد دعيت الى جلسة لإقرار الموازنة في الأسبوع المقبل، كذلك اصدرنا اخيرا قانون السرية المصرفية بعد مراعاة متطلبات صندوق النقد الدولي، لكن رئيس الجمهورية ردّه وهذا حقه الدستوري، إنما المفارقة انّ هذا المشروع بقي في أدراج الرئيس نحو شهر قبل أن يقرر رده. فمن يكون المسؤول عن التأخير؟”.