Site icon IMLebanon

أسابيع برّي انتهت: سباق بين الحلّ والحرب

 

قبل أسابيع سأل أحد الصّحفيين الرّئيس نبيه برّي: هل يحتمل البلد أشهراً من الفراغ؟ فردّ الرّجل القابض على الكلام كالقابض على الجمر: «ما تحكي بأشهر، البلد ما بيحمل أسابيع».

وقبل بضعة أيّام سأل الصّحفيّ نفسه برّي السؤال نفسه: قلت لنا منذ أسابيع بأنّ البلد لا يحمل أسابيع من الفراغ، فردّ باقتضاب: «بعدني عند كلمتي».

تسارعت الأحداث والمواقف منذ الإعلان عن حزم الوفد القضائي الأوروبي مستنداته ليحطّ رحال «وصايته» في قصر العدل اللّبناني، كأنّه مهّد الطّريق لما شهدناه في اليومين السّابقين من حفلة الجنون القضائيّة.

مصادر مطّلعة وضعت ما حصل بين البيطار وعويدات في إطار صراع أو سوء تنسيق، على أقلّ تقدير، بين الأميركيين والفرنسيين، فالبيطار ما كان ليعود، خلافاً لأبسط الأصول الدّستوريّة والقانونيّة، في ذلك الزّخم المتهوّر لولا تشجيع الفرنسيين، وعويدات ما كان ليضع حدًّا لتلك المهزلة لولا دعم الأميركيين، والنّتيجة إطلاق سراح جميع الموقوفين على نيّة «محمّد زياد العوف» رئيس مصلحة الأمن والسّلامة في مرفأ بيروت، وتكفي صفته الوظيفيّة للدّلالة على أهمّيّة دوره في كشف الحقيقة، هذا إذا كان هناك فعلًا من يريد كشفها، لكنّه غادر تحت جنح قرار منع السّفر المقرون بقرار إخلاء السّبيل، وهذا السّحر لا يتقن فكّ طلاسمه سوى الأميركيين.

تشير المصادر ذاتها إلى تخوّفها من طي صفحة ملفّ المرفأ بعد استنفاد توظيف معاناة ذوي الضّحايا لأغراض سياسيّة، ولإقفال الباب على احتمالات تورّط العدوّ الإسرائيليّ في قضيّة التّفجير الكبير.

فهل انتهت زوبعة ردود الأفعال؟

يبدو بأنّ تحرّك بعض النّوّاب والنّاشطين الحزبيين تحت غطاء الأهالي المظلومين محكوم بسقف الخوف من انفلات الأمور وتدحرجها إلى فوضى عارمة تهدّد مصالح الأميركيين والأوروبيين، وتزعزع الاستقرار على حدود الكيان الصّهيونيّ، وإلّا فإنّنا ذاهبون إلى سيناريو قاتم سيجعلنا نترحّم على جهنّم الّتي نعانيها اليوم.

وقد اعتبرت مصادر متابعة تلك البلبلة رسالةَ تحذير وضغط على فريق المقاومة بعد تقدّم الحديث عن حسم الموقف بالتّوجّه إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهوريّة بـ 65 صوتاً، وفي هذه الحالة يصبح سليمان فرنجيّة قاب جلستين أو أدنى من دخول قصر بعبدا، ولم تستبعد المصادر نفسها أن يكون ما حدث تمهيداً لنزول بعض المعارضين عن شجرة المواقف الشّعبويّة للقبول بالعمليّة الدّيموقراطيّة بعيداً من «شعار» الميثاقيّة السّاقط حال تأمين نصاب الثّلثين في أيّ جلسة برلمانيّة.

ولكن، ما مدى نجاح هذه الخطوة؟ وما تداعياتها؟

عام 1988 قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي «مخايل الضاهر أو الفوضى»، وفي اللّحظة الرّاهنة نحن أمام «فرنجية أو الفوضى» ليس من باب التّهديد أو التّهويل، بل من باب توصيف الواقع باعتبار أن زعيم تيّار المردة هو الشّخصيّة الوحيدة القادرة، في ظلّ الانقسام الحادّ في مجلس النّوّاب، على جمع 65 صوتاً وأكثر بحكم وضوح وثبات مواقفه الاستراتيجيّة ومرونة أدائه السّياسيّ مع خصوم الدّاخل والخارج.

ولا شكّ بأنّ فرنجيّة وحلفاءه، خصوصاً حزب الله، لا يفضّل هذه الخطوة لأنّها ستنعى بشكل رسميّ ونهائيّ ورقة التّفاهم مع التّيّار الوطنيّ الحرّ، لكنّ الحزب، حسب مصادره، ألقى الحجّة على باسيل بعدما حاول التّفاهم معه على مقاربة واحدة بشتى الطّرق، وأعطى كثيراً من الوقت رغم خطورة المرحلة، لكنّ باسيل رفع سقفاً يصعب عليه التّراجع عنه، واللّقاء الأخير في «ميرنا الشّالوحي» كان سيّئاً للغاية في نتائجه.

وإزاء الواقع الآخذ في التّدهور والإنحلال مع دولار يسابق السّاعات في كسر الأرقام القياسيّة، لا يمكن البقاء في دائرة المراوحة، وانتخاب فرنجيّة بمعزل من باسيل أقلّ ضرراً على البلد من الاستمرار في الإنهيار.

وقد برزت عدّة مؤشّرات على الشّروع بتهيئة الأرضيّة المناسبة للذّهاب نحو خطوة آخر الدّواء:

– تصريح جعجع بعدم تعطيل النّصاب في حال تأمين 65 صوتاً لأيّ مرشّح حتّى لو كان فرنجية أو غيره من الفريق الآخر.

– تراجع جنبلاط عن خيار ميشال معوّض في لقائه الأخير مع وفد حزب الله.

– تصريح النّائب علي حسن خليل عن إمكانيّة اللّجوء إلى هذه الخطوة.

– إعلان فرنجية، من بكركي، عن قبوله برئاسة النّصف زائد واحد أسوة بجدّه، والميثاقيّة مؤمّنة بمجرّد انعقاد الجلسة بثلثي أعضاء المجلس.

وتشير المعطيات إلى خرق لمسه موفد جنبلاط إلى الرّياض وائل أبو فاعور، حيث سمع هناك كلاماً واضحاً بأنّ المملكة لا يهمّها اسم الرّئيس، وكلّ ما يعنيها هو وقف الحملات الإعلاميّة ضدّها، والقيادة هناك ستحكم على أداء الرّئيس العتيد ليبنى على الشّيء مقتضاه.

وهذا الموقف ليس بعيداً من موقف الأميركيين، فقد نُقل عن الرّئيس نبيه برّي سؤاله للسّفيرة الأميركيّة عن حقيقة معارضة إدارتها وصول فرنجية إلى سدّة الرّئاسة، فقالت: لماذا نعارضه وقد يصير رئيساً؟!

لبنان إذن أمام مرحلة حاسمة، إمّا بداية حل عبر انتخاب رئيس في وقت قريب، أو الاستعداد إلى ما أنذرت به مساعدة وزير الخارجيّة الأميركيّة لشؤون الشّرق الأدنى «باربارا ليف» قبل أشهر قليلة بانهيار لبنان.

وإذا كان الأميركيون يخطّطون لإعادة بناء الدّولة وفق مقتضيات وجودهم الدّائم الفاعل في لبنان بدلالة بناء السّفارة الأضخم في المنطقة، من يضمن بقاء لبنان الكبير على حاله في حال الوصول إلى لحظة الدّمار الكبير؟!