Site icon IMLebanon

بري يستهلك رئاسة الحكومة

 

 

لعلّ الخلاصة الأهم لأزمة «الساعة»، يمكن اختصارها بمشهد مسرحي، تعمدت عين التينة تصويره و»منتجته» وتوزيعه، وهو يصوّر رئيس المجلس النيابي نبيه بري، يعطي التوجيهات لرئيس حكومة تصريف الأفعال نجيب ميقاتي، حول ما يجب، وما لا يجب فعله، فيما الأخير يتلقى وينفّذ، من دون مشاكسة ولو على سبيل إثبات الاستقلالية.

 

لقد استهلك بري رئاسة الحكومة، ونسف هيبة الموقع، وهذه الثواني المصوّرة، كانت شاهداً على رئيس حكومة، ارتضى أن يلعب دور البطل في مسرحية وهمية ليست من تأليفه أو إخراجه، بل تقتصر صلته بها، على ممارسة بعض شكليات السلطة، من دون الاحتفاظ ولو بالحد الأدنى من القدرة على اتخاذ القرار.

 

تعطي أزمة «الساعة» المؤشر حول كيفية إدارة دولة فاشلة، من جانب من تربّعوا على عرش المنظومة لعشرات السنوات، ومعظمهم باتوا يفتقدون للحد الأدنى من القدرة على استشعار حجم الكراهية التي تكنّها لهم شرائح من الناس، عانت من الظلم والقهر، وسلبت منها مقومات استمرار الحياة، ووضعت في خانة من حكم عليه وعلى الأجيال المقبلة بالإعدام.

 

وتعطي الأزمة إياها المؤشر أيضاً، على أنّ المواقع الدستورية في لبنان، باتت ألعوبة في يد «حزب الله» وحليفه، يقررون عنها، ويقررون من يشغلها، ويحولونها إلى مجرد ديكور فارغ ولو امتلأ بمن يشغله.

 

أجهز رئيس المجلس خلال الأيام الماضية، على آخر احتمال لاسترداد موقع رئاسة الحكومة، وبذلك يكون قد هشّم صورة السراي وشاغلها، ودفعه إلى اتخاذ قرار عشوائي، لا بد سيدفع ثمنه، ليس بما يتعلق بصورته على الصعيد العام، بل داخل طائفته بالتحديد.

 

إمتدت رحلة الإجهاز على موقع رئاسة الحكومة، منذ العام 2005 وإلى اليوم، عبر فرض التعطيل والثلث المعطل، والاستقالة، وكان الرئيس ميقاتي جزءاً من مسار إضعاف موقع السراي، منذ العام 2011 حين قبل أن يتولى رئاسة الحكومة، في أعقاب إسقاط حكومة سعد الحريري، وها هو اليوم يحصد نتائج هذا المسار الطويل، الذي اعتقد أنه سيوفر له كرسياً دائماً في السراي، فيما لا تنبئ الوقائع، بأن تولي ميقاتي لأي حكومة جديدة، أمر سيكون ممكناً، وذلك تبعاً لمواصفات عربية ودولية محددة، وضعت لرئيس الجمهورية المقبل، وهي نفسها تنطبق على رئيس الحكومة المقبل، ولا تنطبق بمطلق الأحوال على الرئيس ميقاتي، الذي ارتضى أن تكون حكومته واجهة لـ»حزب الله».

 

لن يبقى أي من المواقع الدستورية بمنأى عن هذا الاستنزاف. رئاسة الجمهورية استهلكها الثنائي، وأفرغها من أي مضمون أو سلطة أو قرار، وحوّلها هدفاً لبعض المسترئسين، الذين يلهثون لنيل لقب «فخامة الرئيس». أمّا رئاسة الحكومة فقد تحولت هي الأخرى إلى أداة تنفيذية لسياسات الثنائي، الذي ألصق بها بالأمس نتائج خطأ جسيم، لا بل خطيئة كادت تشعل فتنة طائفية، على وقع مسار شعبوي، الهدف منه يقتصر على بعض التكسّب الطائفي، الذي بدا أنّه نهج مشترك بين أركان المنظومة، المتفقين على أن السبيل الأنجح والأسرع لاستعادة الدور والموقع، يمر عبر إشعال عود ثقاب، ولو أدى ذلك لحرق المدينة.