ما حصل في مجلس النواب منذ يومين لا بد وأن يتوقف عنده المراقبون.. إذ يمكن أن نقول إننا كنا على أبواب حرب أهلية جديدة، وهذا ليس تضخيماً لما حدث، بل يمكن أن نقول إنه ومنذ الخلاف الذي ظهر عقب اتخاذ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي القرار بإبقاء الساعة حسب التوقيت الشتوي، وإكراماً للمسلمين الصائمين… وبعدما تحوّلت هذه القضية، وكأنّ الرئيس ميقاتي قد «صلب السيّد المسيح» خصوصاً ان غبطة البطريرك مار بشارة الراعي تدخل في الموضوع واستنكر عدم تقديم الساعة بدل أن يهدّئ إخوانه ويدعوهم الى التروّي… ويمكن القول إنه وقف الى جانبهم.. وأظن ان توقيت كلام البطريرك لم يكن موفقاً لا في المضمون ولا في التوقيت، أما الأبطال الذين نفخوا في نار الفتنة مثل «الطفل المعجزة» الذي يبحث عن دور له بعد انتهاء «ولاية جهنم» فكان بطل التحريض والمزايدات.. أمّا الدكتور سمير جعجع فأخذ «يلف ويدور» لكن موقفه كان مقبولاً… إذ هو اعترض لكن اعتراضه كان معقولاً.
أما أولاد الجميّل فينطبق على سامي الجميّل القول: «إنّ الجهل والمزايدات التي يمارسها أصبحت جزءاً من تكوين شخصيته». أكتفي بذلك لأعيد نشر ما جاء على لسان زميلنا العزيز الاستاذ سركيس نعوم، حين قال عن ان التسجيل الذي استعمله الرئيس بري عن محادثته مع الرئيس ميقاتي حول الإبقاء على التوقيت الشتوي إكراماً للمسلمين الصائمين، فإنّ الغاية من ذلك التسجيل كانت فضح حلفاء المملكة الذين تعتمد عليهم وتركت أهلها يعانون في لبنان في أقسى الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمالية وارتفاع الاسعار، حيث أصبح اللبناني في «عهد جهنم» من أفقر شعوب العالم. فعلاً هذا التسجيل فضح حلفاء المملكة وعرّاهم وأكبر دليل ان الرهان على الذين تعتبرهم المملكة حلفاءها المسيحيين هو اختيار غير موفق لا يمكن له أن يملأ الفراغ الذي تركه زعيم السنّة في لبنان، أعني الرئيس سعد الحريري الذي أثبتت الانتخابات النيابية الأخيرة أنه أكبر زعيم سنّي في لبنان شاء من شاء وأبى من أبى.
الفراغ الذي تركه الرئيس سعد الحريري كبير جداً، إذ لم يتمكن أي زعيم من زعماء السنّة أن يحصل على نائب واحد، خصوصاً أنّ أحد تجار السلاح، الذي صار فجأة مشروع زعيم، يقيم الافطارات على شرف أعضاء السلك الديبلوماسي ورجال الدين الذين يحتلون مراكز مرموقة… والمصيبة ان تاجر السلاح مؤخراً حصل على النيابة التي كلفته 20 مليون دولار… تصوّروا يا جماعة ان المقعد النيابي في بيروت صار ثمنه 20 مليون دولار. والمصيبة الثانية ان التاجر المذكور أعلاه شكّل لائحة وصرف عليها «دم قلبه» وكانت النتيجة سقوط كل من كان معه في اللائحة.
بالعودة الى الرئيس نبيه بري، وكيف استطاع بحكمته وعقله الراجح أن يفكك القنبلة الثانية حيث ان القنبلة الأولى كانت ساعة التقويم الشتوي، والقنبلة الثانية كانت في مجلس النواب حيث جرت مشادة كلامية بين الوزير علي حسن خليل وبين النائب سامي الجميّل… ولا أريد هنا أن أكرر ما حدث لأنه أصبح معروفاً، وكذلك ما حصل بين الوزير غازي زعيتر والنائب ملحم خلف.
الرئيس بري فور سماعه بما جرى في المجلس اتصل بالنائب سامي الجميّل هاتفياً وطيّب خاطره، ولم يكتفِ بذلك بل طلب من الوزير الخليل أن يتصل مع النائب الجميّل ويقف «على خاطره».
ما جرى في الاسبوع الماضي بالاضافة الى ما جرى أمس كاد ان يجرّ البلاد الى حرب طائفية بغيضة لا يمكن لأحد أن يتكهّن الى أين كانت ستأخذ البلاد والعباد.
لذلك نشكر ربّ العالمين أن هناك زعيماً عاقلاً كامل الأوصاف أطفأ نار الفتنة، بكل حكمة وتعقّل، وكان حلّ المشكلة «بكلمتين»…