يشدّد رئيس مجلس النواب نبيه برّي أمام زوّاره على ضرورة انتخاب رئيس قبل الخامس عشر من حزيران المقبل، ليقطع الطريق أمام معضلة صعبة قد تواجه البلد مع شغور منصب حاكم مصرف لبنان، بعد انتهاء ولاية رياض سلامة مطلع شهر تموز المقبل.
في المقابل بدا برّي من كلامه أمام وفد «مستقلون من أجل لبنان» الذي يضمّ مجموعة من الشخصيات المسيحية، أنّه غير متحمّس لتولّي حكومة نجيب ميقاتي المستقيلة مهمة تعيين خلف لسلامة في حال فرض استحقاق مصرف لبنان نفسه على السلطة التنفيذية أثناء الشغور الرئاسي. كذلك، بدا أنّ رئيس المجلس يعارض أن يستلم نائب الحاكم الأول وسيم منصوري منصب الحاكم في حال خرج رياض سلامة من مصرف لبنان قبيل تعيين خلف له، ويصرّ على أن يكون مسيحي في الموقع المالي الأول.
ولكن هل يمكن إنجاز الاستحقاق الرئاسي قبل 15 حزيران؟
على الورقة والقلم، وبحسبة بسيطة جداً، يبدو الاحتمال صعباً جداً، لا بل مستحيلاً طالما أنّ سيناريو انقلاب القوى السياسية على مواقفها، غير مطروح أبداً، أقلّه في المدى المنظور. والمقصود بتلك القوى، هو «التيار الوطنيّ الحر» و»القوات» المعارضان لترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، و»الحزب التقدمي الاشتراكي» ولو أنّ الأخير أقل حدّة في موقفه… فيما تتأرجح أصوات الكتل السنية على حافة المضيّ بترشيح القطب الزغرتاوي لكنها تحاذر في حسم قرارها.
وبما أنّ مواقف الخارج، لا تزال في وضعية الستاتيكو، فهذا يعني أنّ مدّة الشغور مفتوحة على مصراعيها، طالما أنّ المبادرة الفرنسية التي تبنّت معادلة المقايضة بين فرنجية ونواف سلام (حتى اسم سلام غير مضمون القبول سعودياً) اصطدمت بحاجز مروريّ، أدّى إلى تراجعها إن لم نقل تحطّمها. وهنا ثمة من يقول إنّ إشارة السفير السعودي وليد البخاري إلى أنّ «الرؤية السعودية للبنان لا تنطلق من رؤية تفضيلية للعلاقة مع طائفة على حساب أخرى»، تعكس بشكل واضح مقاربة المملكة لشراكتها في الملف اللبناني في ما لو قررت أن تكون شريكة بالفعل، لتكون شراكة شاملة لا تقتصر فقط على موقع رئاسة الحكومة، كما حاول الفرنسيون التسويق له.
وأيضاً، طالما أنّ رفع الحُرم من جانب السعودية لم ينتج اندفاعة من جانب حلفاء المملكة باتجاه بنشعي، وطالما أنّ الأميركيين تصدّوا للاندفاعة الفرنسية تحت عنوان أنّ مقرّرات اللجنة الخماسية لا تتطابق مع السلوك الفرنسي ومقاربته الملف اللبناني… وهنا تفيد المعلومات بأنّ ما لم يقله السفير السعودي بشكل واضح، قد عبّر عنه مسؤولون قطريون من خلال التأكيد أنّ المسعى الفرنسي قد أجهض. وقد انتقل البحث إلى خيارات جديدة، لا سيما أنّ دخول القطريين يتمّ بتنسيق مع الأميركيين والسعوديين.
بالنتيجة، لا مؤشرات جدية على إمكانية تحقيق أي خرق. ومع ذلك، ثمة من ينقل عن المحور المؤيّد لترشيح فرنجية، حصول تقدّم في معركته، ولو أنّهم يقرّون بأنّه تقدّم طفيف، بانتظار تطوّر نوعي من شأنه أن يحسم المعركة.
ولعلّ هذا ما يفسّر كلام برّي أمام زوّاره حول حماسته للتقارب الحاصل بين القوى المسيحية، وفق ما نقل إليه من جانب بعض الدبلوماسيين، حيث أكّد أمام زوّاره أنّه يرحّب بهذا التقارب ويتمنّى أن يخلص إلى تفاهم مسيحي- مسيحي على مرشح واحد، للنزول من بعدها إلى البرلمان وليفز من يحصد العدد الأكبر من الأصوات. وقد فهم زوّار برّي أنّ في جعبته المزيد من الأرانب التي تجعله مرتاحاً ومتفائلاً لسير معركة كهذه في ما لو حصلت تحت قبّة البرلمان.
فإلى ما يركن برّي في تفاؤله؟
يبدو وفق المواكبين للمسار الرئاسي أنّ ثمة تعويلاً من جانب المتحمّسين لخيار فرنجية على الزيارة المرتقبة للرئيس السوري بشار الأسد إلى الرياض تحت عنوان المشاركة في أعمال القمة العربية، ليشيروا إلى أنّ الدفع باتجاه تحسين العلاقات السورية- السعودية من شأنه أن يعزّز حظوظ سليمان فرنجية أكثر. ولو أنّ بعض المطلعين يرون أنّ لسوريا أولويات كثيرة لا سيما على مستوى وضعها الداخلي، قد تتجاوز مسألة الرئاسة اللبنانية ولو أنّ وصول فرنجية إلى القصر يعدّ نقطة لصالحها، ولكنها الآن قد لا تملك ترف وضع هذا المطلب على جدول أعمال مفاوضاتها مع السعودية.
ولهذا ثمة من يعتقد أنّ الرئاسة اللبنانية قد تبقى معلّقة في عنق التفاهم السعودي- الإيراني، إلى حين وضعها على طاولة نقاشهما الثنائي. وحتى الآن لم تتطرق المفاوضات بينهما لهذا الملف. ولذا فإنّ حالة المراوحة هي التي ستحكم المعادلة الرئاسية، إلى أن يحصل العكس. ويبدو أنّ البعض يتوقع حصول لقاء ثنائي جديد بين الرياض وطهران بعد القمة العربية من شأنه أن يبلور المشهد الرئاسي في لبنان. فهل تصحّ هذه التقديرات أم أنّ تفاؤل برّي مفرط من باب «أدّيت قسطي للعلى»؟