لا خرق نوعياً في جدار الرئاسة الأولى. يجول الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني بين القوى السياسية المعنية، في محاولة منه لإثبات نجاحه حيث فشل الفرنسيون، حتى لو أنّ وزير الخارجية الفرنسي السابق جان ايف لودريان سيعود من جديد إلى بيروت علّه يجد في جولته المرتقبة أي متغيّر في المعطيات السياسية من شأنه أن يخرج الشغور من القصر.
لا تقلل القوى السياسية من شأن المحاولة القطرية في إنجاز الرئاسة، في ضوء الأدوات المتاحة لديها والخطوط المفتوحة أمامها، وغير المتوفرة أمام الإدارة الفرنسية، حتى لو أنّ هناك من يعتقد أنّ التقدم القطري قد يُفرمَل في أي لحظة بعصا سعودية اذا ما «شطحت» الدوحة في تطلعاتها وقاربت الملف اللبناني من جذوره العميقة مقتربة من النظام وعِقده… فيما يؤكد بعض المعنيين أنّ التنسيق القطري- السعودي- الأميركي جارٍ على قدم وساق، ولا يغفل التفاصيل، خصوصاً وأنّ الرياض لا تظهر أي اهتمام بالانخراط في المستنقع اللبناني، لكنها بالتأكيد لن تسمح بإنجاز الاستحقاق بشكل لا يتناسب ومصالحها. ولهذا توكل المهمة للقطريين الذين يتولون عملية التفاوض مع كلّ المعنيين تحت سقف الاعتبارات الأميركية – السعودية.
ولهذا، يسود الاعتقاد أنّ القطريين لم يقفزوا إلى المشهد اللبناني وهم الأدرى بتعقيداته ومتاهاته، لكي يعودوا منه خاليي الوفاض، حتى لو تطلّب منهم الأمر العودة مرة جديدة واثنتين وثلاثاً. لكنهم بالنتيجة يعرفون من أين تؤكل الكتف اللبنانية، وفي أي توقيت. ولذا يجري العمل بروية وبعيداً من الأضواء والاستعراضات الإعلامية بانتظار نضوج الأمور اقليمياً، أو محلياً. وحتى الآن، المساران غير ناضجين. ومع ذلك، انتقل القطريون من مرحلة جسّ النبض، إلى مرحلة البحث جدياً في الاسم الثالث… وتقديم العروض. ومفاوضات العام 2008 في الدوحة شاهد حيّ على نوعية العروض التي ممكن لقطر أن تقدمها.
ولكن الانخراط القطري في عمق الأزمة، لا يعني أبداً أنّ الدوحة نجحت في تحقيق تقدم نوعي، ذلك لأنّ الثنائي الشيعي لا يزال في المربّع الأول: سليمان فرنجية مرشحنا، ونقطة على السطر. عنوان هذا التمسك هو الوفاء والإلتزام بالتعهد الذي قطعه رئيس مجلس النواب نبيه بري و»حزب الله» لرئيس «تيار المرده». ولكن في الحقيقة، المسألة أعمق وأكثر تعقيداً، لا سيما لجهة «حزب الله».
وفق بعض المعنيين، لا يزال تعويل «الحزب» على الوقت. كما سبق وفعلها في مراحل سابقة، الاعتقاد السائد في صفوف مسؤوليه أنّ الوقت قد يعيد قلب الطاولة رأساً على عقب خصوصاً وأنّ المنطقة تشهد متغيّرات سريعة من شأنها أن تعيد له اليد الطولى في الملف الرئاسي. ولذا، يقفل باب التفاوض على اسم فرنجية ويترقب. فيما يعتقد البعض الآخر أنّ ربط الملف اللبناني بملفات المنطقة، لا سيما من الجهة الإيرانية، يجعل إنجاز الرئاسة، رهن بقية المسارات. ولهذا، الرئاسة في ثلاجة الانتظار. وترشيح فرنجية هو «القفل».
وفي مطلق الأحوال، لا مؤشرات راهنة توحي بأنّ «الحزب» سيتخلى عن فرنجية في المدى المنظور. ولكن على ضفّة الرئيس بري، الاعتبارات مختلفة تماماً، لدرجة أنّ هناك من يقول إنّ رئيس البرلمان كاد ان يفعلها في لحظة سابقة (قبل أسابيع) لينخرط في تسوية تأتي برئيس من الفئة الثالثة، بحجة أنّ موازين القوى في البرلمان هي التي حسمت النتائج.
ويؤكد المعنيون أنّ رئيس المجلس أبلغ أكثر من صديق التقاهم في الفترة الأخيرة، أنّه كان جدياً في دعوته للحوار الذي كان سيفضي إلى فتح أبواب البرلمان لعقد جلسة بدورات مفتوحة، يفترض أن تؤدي إلى انتخاب رئيس. حتى أنّه قال بالحرف الواحد أمام هؤلاء حين سئل اذا كان الحوار قد يؤدي إلى انتخاب مرشح ثالث: «طبعاً وإلا ما معنى الحوار؟».
ولكن يبدو، وفق المعنيين أنّ بري، وبعدما أعاد «الحزب» شدّ صفوف محوره السياسي، خلف فرنجية، تراجع قليلاً إلى الخلف لمراعاة اعتبارات حليفه، خصوصاً وأنّ ردود الفعل من جانب القوى المسيحية، نسفت مشروعه الحواري، وأعفته من مهمة هندسة الصيغة التسووية. والأرجح أنّه كان ينتظرها من المسيحيين لكي يغسل يديه. ولكن إلى متى؟ لا جواب واضح.
يؤكد المعنيون أنّ بري قد يستعيد زمام مبادرته التفاهمية في أي لحظة خصوصاً وأنّ لبنانيين نقلوا عن مسؤولين أميركيين تأكيدهم أنّ بري يخبّئ شيئاً ما وقد يخرج أرنب الرئاسة من كمّه في وقت ليس ببعيد.
في مطلق الأحوال، يراقب سليمان فرنجية التطورات، لا سيما على الضفّة القطرية، بكثير من الواقعية. يدرك أنّ معركة رئاسته صارت صعبة جداً، ولكنها ليست مستحيلة بنظره. طالما أنّ الثنائي، وتحديداً «حزب الله» متمسك به، فلا ضرورة للإقدام على أي خطوة الى الوراء أي الانسحاب. الركون إلى عامل الوقت قد يفعل فعله، طالما أنّ الوضع الداخلي تحت السيطرة. ولكن ماذا لو خرجت الأمور عن السيطرة. لا جواب عند أي من المعنيين.
اذاً، اتكال فرنجية على التزام الثنائي. والأخير لا يزال عند كلمته. لكن مشروع التفاهم مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل أشبه بحفر الجبل بالإبرة. يقرّ فرنجية أنّ العامل الشخصي يلعب دوراً أساسياً في الفيتو الذي يرفعه باسيل، بوجهه كما بوجه قائد الجيش جوزاف عون لدرجة أنّ رئيس «التيار» مستعد للتصويت لأي ماروني باستثناء هذين الاسمين. اللجنة المكلفة دراسة مشروع اللامركزية الإدارية عقدت حتى الآن أربعة اجتماعات والحبل على جرار التفاصيل التقنية. أما تلك المكلفة دراسة مشروع الصندوق الإئتماني فلم تُنشأ بعد.
اذاً، المسار الداخلي مقفل. والخارجي غير متاح. فهل يقبض «حزب الله» ثمن تسليمه الرئاسة لثالث، أم يقبع في زاوية الانتظار ليسدد ثمن فرنجية؟