ما زالت عمليّة طوفان الأقصى ترخي بظلالها على المشهد الأقليمي والدّولي وتسجّل تداعياتها، بعد قرابة مئة يوم، كما تفاصيلها يوم السّابع من أكتوبر، نقاطاً كبيرة في مرمى الكيان الصّهيوني وصورته الّتي انكشفت حقيقتها أمام العالم كلّه.
لعلّ أبرز الخسائر الاستراتيجية ما سجّلته جنوب أفريقيا، مشكورة، في محكمة العدل الدّوليّة، فليس تفصيلاً أن تُقبل الدّعوى ضدّ «إسرائيل» وليس عاديًّا أن تمثل «واحة الديمقراطيّة» المزعومة أمام القضاء الدّولي بتهمة، لا يستطيع أحد إنكارها، الإبادة الجماعيّة الّتي تمارسها في غزّة.
هذه الصّفعة لعصابة الإجرام في تل أبيب يتردّد صداها في أرجاء الكيان، لدى إعلامه ورموزه ومثقّفيه، فضلاً عن حكومته وقادة رأيه، فمظلّة الحماية الّتي وفّرتها الولايات المتّحدة الأميركيّة والغرب عموماً على مدى خمسة وسبعين عاماً رفعتها دماء الأطفال والنّساء والشّيوخ الأبرياء الّتي سُفحت بصلافة ووقاحة وتباهٍ وثّقته «جنوب أفريقيا» في دعواها المؤلّفة من أربعة وثمانين صفحة، بدءاً من تصريح وزير الحرب «يوآف غالانت» عندما وصف شعباً كاملاً بالحيوانات البشريّة وليس انتهاءً بالضّبّاط والجنود الّذي أرسلوا إلى ذويهم هدايا من بقايا الضّحايا ومنازلهم وهم يفاخرون بتدميرها فوق رؤوس ساكنيها!
اليوم ستدافع «إسرائيل» عبر فريقها عن نفسها بعدما قالت جنوب أفريقيا كلمتها أمس، ويبقى للقضاة الدّوليين أن يقولوا كلمتهم انتصارا للعدالة الإنسانيّة والمواثيق الدّوليّة، والقرار النهائيّ لا يحتاج إلى دليل بل إلى ضمير، فالدّليل بثّ على الهواء على مدى ثلاثة أشهر ونيّف!
أمّا جبهة لبنان فلها حساباتها المعقّدة ميدانيًّا وسياسيًّا، وما فعلته «إسرائيل» في غزّة وهدّدت عبر وزير حربها بنسخه ولصقه في بيروت دونه حسابات الميدان اللّبناني الّذي يختلف شكلاً وكمًّا ونوعاً عن حسابات غزّة، ودونه رفض أميركيّ لاعتبارات مصالحها الممتدة من بيروت إلى بغداد وممرّات النّفط والغاز والتّجارة في باب المندب وهرمز وغيرها من شرايين الحياة الدّوليّة الّتي تقبض على مساراتها اليمن وإيران.
ولأجل كلّ ذلك تضع الولايات المتّحدة الأميركيّة الفيتو على توسيع الجبهة باتّجاه لبنان وتنشط الحركة الديبلوماسية الأميركيّة والغربيّة وحاملات طائراتها منذ اليوم الأول لبدء عمليّة طوفان الأقصى.
وفي السّياق كانت زيارة «آموس هوكشتاين» إلى بيروت بعدما زار «تل أبيب» الأسبوع الماضي معلنًا نيّته السّعي لتسوية المسألة سياسيًّا وتجنّب الحرب المفتوحة، وهذا ما مالت إليه حكومة العدو مؤخّراً وقد ظهر هذا الميل في أكثر من تصريح لأكثر من وزير ولبنيامين نتنياهو نفسه.
فماذا حمل معه «هوكشتاين»؟
يقول زوار الرئيس نبيه بري بأن الموفد الرئاسي الأميركي حمل افكاراً للنقاش وليس لديه رؤية مكتملة أو طرح نهائيّ ناضج، وهو يحاول إيجاد مخرج سياسيّ يجنّب لبنان والمنطقة حرباً مفتوحة ستكون مدمّرة للجميع.
الملفت فيما نقله زوّار عين التّينة أنّ «هوكشتاين» ربط بطريقة أو بأخرى بين التّهدئة في لبنان وغزّة معًا، وأنّ الحلّ سيكون متوازياً، وهذا ما كان قاله الرئيس نبيه برّي منذ أسابيع لجريدة «اللّواء» وأكّده السّيّد حسن نصرالله في أكثر من مناسبة.
وعن موقف لبنان من التّسوية المحتملة يقول زوّار الرّئيس برّي بأنّه أبلغ «هوكشتاين» موقفاً ثابتاً يتعلّق بتطبيق القرار 1701 بكلّ مندرجاته وتثبيت الحدود اللّبنانيّة الفلسطينيّة الّتي أودعت لدى الأمم المتّحدة عام 1923 ولا نقاش في أي طرح من دون مزارع شبعا اللّبنانيّة.
وعمّا نشر حول توقيف مشتبه به بالتّعامل مع العدوّ الإسرائيليّ في محيط عين التّينة ينقل زوّار برّي عنه قوله: «الإسرائيليّة من التمانينات ناويين عليي» أمّا عن الموقفَين فقد علمت بالاشتباه بشخصين أوقفهما جهاز أمن مجلس النوّاب وتمّ تسليمهما إلى الجهّات المختصّة، واليوم قرأت ما تمّ نشره من تفاصيل حول التّحقيقات.
وعن رئاسة الجمهوريّة ينقل زوّار الرّئيس برّي عنه بأنّه طلب من السّفير القطري الجديد تحريك الملف، فالبعض هنا في لبنان لا يعجبهم ما نطرحه داخليًّا ويفضّلون الطّروحات الخارجيّة!