آخر ما يجب أن يعتبره الرئيس نبيه بري إنجازاً هو نجاحه في جذب مقاطعي التشريع الى «ساحة النجمة» لإقرار موازنة لا يوازي حجمها الهزيل ما يرافقها من تطبيل وتزمير، وتعكس أرقامُها التي لا تتجاوز ثلاثة مليارات دولار ما تسبَّب فيه تحالف الفساد والميليشيا من كارثة اقتصادية ومالية هبطت بالعملة وبالناتج العام وبمعدل دخل الفرد ودمَّرت التقديمات الاجتماعية ونهبت الودائع ولا تزال ترخي بثقلها في غياب أيّ إصلاح… فلا مبرّرَ إذاً لشكر أحد على وقت مستقطع من التعطيل. ولا منَّة في تسيير الحدّ الأدنى من موجبات العمل البرلماني لتسهيل شؤون المواطنين.
يُسأل الرئيس بري فعلياً عن الانتهاك الكبير للنظام الديموقراطي بإقفاله مجلس النواب أمام انتخاب رئيس للجمهورية، وتذرّعه بوجوب عقد حوار في انتظار أن يفرط التقاطع الرافض انتخاب سليمان فرنجية، أو أن تفرض الظروف مرشحاً متقاطعاً مع الممانعة كي تُطبِق «المنظومة» مجدداً على موقع الرئاسة الماروني بعدما استمرأت استذيالَه وحوّلته مطيّة لبرنامج راعيها الإقليمي.
حتى لو نحَّينا قسراً سيرة الاستحقاق الرئاسي مُفترضين أنه رهن جهود «الخماسية» وشريكنا الإيراني المضارب وصحوة ضمير المعطِّلين، فإنّ تطوراً بحجم إعلان «حزب الله» انخراط لبنان في «طوفان الأقصى» كان يوجب على الرئيس بري عقدَ جلسة برلمانية استثنائية. فالأمر جلل وليس حدثاً عارضاً ليجري غضّ الطرف عنه واعتبار البرلمان غير معنيّ به.
يقضي الحدّ الأدنى من احترام النواب أن يقتنع الرئيس بري بأنهم ليسوا مجرّد رؤوس حردانة تشاكس إرادته، أو أيادٍ تبصم لمشيئة فريقه، بل هم شركاء كاملو المواصفات منوطٌ بكل واحد منهم تمثيل الأمة جمعاء. لذلك وجبت دعوتهم لمناقشة أحداث الحدود، لأنّ أكثرية اللبنانيين ترفض أن تكون قضيةً حزبية ينفرد بمسارها «حزب الله» في إطار «وحدة الساحات»، أو مذهبية يتولاها شيعة لبنان داخل «كانتون» اقتطعوه، بل هي مسألة خطيرة تخصّ كل الشعب ومؤسساته التي تجتمع شرعيتُها في الشراكة الوطنية، وتنفرط حين يهمِّشها أو يستتبعها فريق على حساب سائر الفرقاء.
لم يكن حكيماً عدم البناء على إيجابية جلسة التمديد لقائد الجيش. وسيكون أقلّ حكمة ألا يُستفاد من جلسة الموازنة لتحقيق واجب انتخاب رئيس. حان الوقت لتنتهي مساخر التشريع الظرفي بعودة الاعتبار الى مجلس النواب. وإذا كانت الواقعية المريضة منعت انعقاده لمناقشة وضع الجبهة المشتعلة جنوباً في ظل تواطؤ شامل بين رئيس حكومة منسحق أمام الممانعة ورئيس برلمان لا يخرج عن طوع توأمه السياسي، فالأَولى تذكير الرئيس بري في كل سانحة بأن المجلس «هيئة ناخبة»، مفاتيحه ملك للبنانيين، وواجبه ألا ينتظر «حرب غزة» ومآل «وحدة الساحات» لاستيلاد رئيس للجمهورية يباشر ورشة إحياء الدولة، وقد يشكل آخر اختبار لصيغة يدمّرها من إئتمنوا عليها وتترنّح أمام كل امتحان دوري.