IMLebanon

عصا بري تشق طريق القصر 

 

 

اتصالات كثيرة ومتنوعة، وردتني تعقيباً على ما كتبته على حلقتين بعنوان “العباءة الملكية على كتفي جعجع”. آراء لساسة وأكاديميين ومثقفين أثنت، وآراء شككت لتواكب ذلك سلسلة من الشتائم والاتهامات بالتبعية وبالتحيّز، وحتى بالضحالة. ما حدث صورة عن المشهد اللبناني. لا مكان لصاحب رأي يغرد خارج القطيع، وخارج ثغاء الماعز (الماعز البشري). كان يفترض أن ألتحق بتلك القطعان التي تدار من الأقبية…

 

كانت مناسبة لأستذكر بالقلب، الاعلامي والكاتب الفرنسي برنار بيفو (أستاذي برنار بيفو) الذي غاب منذ أيام. كنت أتابع بشغف برنامجه Apostrophe، وكان عبارة عن منتدى تلفزيوني لمناقشة أهم الكتب الصادرة حديثاً في حضور الكاتب، اضافة الى عدد من كبار الكتّاب والنقاد بملاءتهم الثقافية المميزة. بيفو الذي قال “دعوا الكلمة تحلّق مثل الفراشة في رؤوسكم، وبرؤوسكم”. أين باتت الكلمة، وأين وقع الكلمة في هذا الأوقيانوس العربي الذي حوّله أولياء أمرنا الى مقبرة للأدمغة؟

 

… حين نذهب أكثر فأكثر في ثقافة التفاهة بعنوان “الترفيه”، هكذا يلقى برؤوسنا في صناديق القمامة. ما بالك بالبرامج السياسية التي للترفيه الأسود؟ النتيجة أجيال تائهة عائمة ومعلبة سياسياً. هل هو لبنان جبران خليل جبران، وحتى لبنان زياد الرحباني؟ انه لبنان تورا بورا، دون أن تكون الكهوف لطائفة أو لحالة بعينها…

 

أعود الى الآراء الرصينة، وبينها لنائب أوحى لي بأن الرئيس نبيه بري، وهو المايسترو البارع، وضع عصاه السحرية على الطاولة، والى حد التأكيد أنه (لاحظوا الاثارة في الصناعة السياسية) بات على قوسين من اعادة احياء العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله لاختراق المراوحة الراهنة بتداعياتها الكارثية على البلد، وبضغط الأزمات التي، بدون تردد، الأزمات الوجودية.

 

أكاديمي ماروني قال لي “في ظل الغياب الكامل لرجال الدولة في التركيبة السياسية للطائفة، الساسة الموارنة الأكثر تهديداً للموقع الماروني الأول في لبنان. سفير أوروبي سأل مرجعاً كبيراً اذا كان اخراج الدولة من عنق الزجاجة ممكن باختيار رئيس مسيحي غير ماروني”.

 

عودة الى قول الوزير الراحل ميشال ادة “نحن الموارنة كلنا عقل، لكننا نجنّ كل ست سنوات. اعذرونا، لا نستطيع الا أن نجنّ ، من ذقني وجرّ”.

 

المشكلة لم تعد في خسارة الموقع، وقد حولته وثيقة الطائف الى موقع ملتبس بانتفاء الموازاة بين الصلاحيات والمسؤوليات. المشكلة في التخلي عن الدور، الدور المسيحي  بوجه عام، لنجد أن بعض الساسة المؤثرين في الشارع (وفي الغرائز) يدعون الى الكانتونات. في هذه الحال، أي نوع من المسيحيين في لبنان؟ وما معنى وجودهم في لبنان اذا لم يكونوا لكل لبنان  ولكل اللبنانيين؟

 

ثقافة الكراهية، ثقافة الفوقية، ليست بالثقافة المسيحية (لا نقول لكم عودوا الى الانجيل ، على الأقل عودوا الى وصايا البابا يوحنا بولس الثاني لتدركوا ما دوركم). ذاك الترويج المروع لثقافة الانغلاق ولثقافة الغيتو، وقد اعتبرها جان ـ ايف لودريان “ذروة التفكير العدمي” !

 

من الطبيعي أن يكون هناك من هم ضد انتخاب سليمان فرنجية بدعوى أنه ينتمي الى تلك الأوليغارشيا التي قادت البلاد الى الخراب، وربما الى ما بعد الخراب. لكن الموقف منه يعود الى ترسبات شخصية، ويتعلق بمن يتربع على الكرسي الرئاسي (هل لا تزال هناك هالة لهذا الكرسي؟). الذريعة المعلنة أنه حليف، أو صديق لبشار الأسد.

 

هكذا بالحرف الواحد “لا نريد بشار في قصر بعبدا”. لعل هؤلاء لا يدرون أي أثقال سياسية واقتصادية على كتفي الرئيس السوري، الذي يعلم لماذا وضع الأميركيون و “الاسرائيليون”، وحتى الأتراك، بلاده على صفيح ساخن. كلامهم عن الدور السوري كلام كاريكاتوري، حين نعلم، ويعلمون، أن خريطة سورية على الطاولة. ما مآل خريطة لبنان في هذه الحال؟

 

على الأقل، انتخاب رئيس الجمهورية خطوة نحو الانتظام الدستوري الذي قد يستتبع، بالنيات الطيبة، الانتظام السياسي حين نكون داخل هذا الاعصار.

 

الخشية ليست من حزب الله، وانما من الأحزاب الكاهانية (نسبة الى “الحاخام” مئير كاهانا). والخشية ليست من النظام السوري، وانما من النزوح السوري.

 

في ظل صراع الفيلة حولنا وفوقنا، صراع الديكة عندنا. وصفهم بالديكة وصف فضفاض ما دمنا على بيّنة حتى من شكل نخاعهم الشوكي…