تفرض تطوّرات الحرب في الجنوب وغزة إيقاعها ووقعها على عين التينة التي تشعر أنّها معنية من الجانب الوجداني والإنساني، بالإضافة إلى السياسي والعسكري، بما يجري هناك منذ 11 شهراً، وبما ترويه الأرض من قصص التضحية والصمود، إنّما مع إبقاء العين الأخرى مفتوحة على ملفات الداخل اللبناني وازماته سعياً إلى التقاط أي فرصة ممكنة لمعالجة ما أمكن منها.
تدرك عين التينة أنّ مسار المواجهة الحالية والمصيرية مع الاحتلال سيكون له التأثير الكبير على مستقبل الإقليم وتوازناته، إنما من دون أن يكون معنى ذلك إبقاء لبنان معلّقاً أو عالقاً على رصيف الانتظار، خصوصاً أنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري يعرف أنّ هذه الحرب قد تطول أكثر، بسبب عناد نتنياهو وتعنّته.
ولذلك، هو يكرّر أنّه و”حزب الله” لا يربطان استحقاق رئاسة الجمهورية بها، بل لعلّه يعتبر أنّ التعجيل في انتخاب الرئيس من شأنه تحسين قدرة لبنان على إدارة مرحلة الحرب وتداعياتها.
وخلال “تمشاية” المساء في مقرّ الرئاسة الثانية، تبلّغ الرئيس بري نبأ استشهاد ثلاثة من عناصر الدفاع المدني في بلدة فرون الجنوبية نتيجة اعتداء إسرائيلي، فتعكّر مزاجه وبدا عليه التأثر الشديد على الفور، لافتاً إلى أنّ الشهداء “كانوا حركيّين وهم من خيرة الشباب وقد دفعوا ثمن تأدية واجبهم الوطني وتحدّيهم للمخاطر.”
وعلى الرغم من تصاعد الاعتداءات الاسرائيلية خلال الأيام الماضية، إلّا أنّ بري لا يزال يرجّح أن يبقى التصعيد العسكري على الجبهة اللبنانية مضبوطاً نسبياً، مع تأكيده في الوقت نفسه أنّ جبهة الإسناد عبر الجنوب لن تتوقف قبل أن يتوقف العدوان على قطاع غزة.
وعندما يُسأل بري عن تعليقه على بعض الأصوات النافرة التي تعلو في عزّ المواجهة مع العدو الإسرائيلي من دون مراعاة حساسية المرحلة ومتطلباتها، يجيب بأنّ هذه الأصوات ليست جديدة، “بل سمعناها كذلك خلال حرب 2006 وكانت نافرة أيضاً، إلّا أننا في لبنان ننسى كثيراً، والنسيان نعمة أحياناً ونقمة أحياناً أخرى”.
ويبدي بري خشيته من أن يستمر نتنياهو في الحرب حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، لحسابات شخصية وسياسية تتصل به.
ويشير إلى أنّ نتنياهو بات ناخباً أساسياً في الانتخابات الأميركية التي تبدو المنافسة فيها “عالمنخار” بين كامالا هاريس ودونالد ترامب، وهو يحاول ان يستغل هذا الوضع للتمادي في حربه العسكرية ومناوراته السياسية.
ويرجح بري انّ رئيس حكومة الاحتلال لا يريد أن يهدي الحزب الديموقراطي أي إنجاز قد يستفيد منه في المعركة الرئاسية، من نوع الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار، لأنّه يعتبر أنّ مصلحته تكمن في فوز ترامب.
ويلاحظ بري أنّ نتنياهو يراوغ ويناور ويشتري الوقت ويقضم الأسبوع تلو الآخر في مفاوضات مطاطة، بينما يواصل على الأرض ارتكاب المجازر في غزة ويوسّع عدوانه إلى الضفة الغربية، ومن غير المستبعد أن يأتي الدور على أراضي 48 لاحقاً.
وحين يُقال له إنّ الرئيس الأميركي جو بايدن يسعى إلى طرح مقترح نهائي من أجل وقف إطلاق النار، يشير رئيس المجلس إلى أنّ واشنطن غير جدّية وغير حازمة حتى الآن في إنهاء الحرب وفي الضغط على نتنياهو لهذا الغرض، متسائلاً بتعجب: “كم مقترح صاروا لهلق؟”.
أمّا على مستوى الملف الرئاسي، فيوحي بري بأنّ الأمور لا تزال تراوح مكانها، في انتظار ما يمكن أن يسفر عن التحرّك المحتمل لـ”الخماسية” بعد لقاء الرياض بين السعوديين والفرنسيين.
ويلفت بري إلى أنّه من جهته لم ينتظر الخارج بل فعل “المكسيموم” لتسهيل عملية إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وأبدى كل مرونة ممكنة عبر مبادرته الحوارية – الرئاسية لتدوير الزوايا وملاقاة الآخرين في مساحة مشتركة، إنما من دون أن يلقى التجاوب المطلوب، مضيفاً: “ما بعرف شو فيّي أعمل بعد اكتر من هيك”.
وحين يُسأل عن موقفه من توقيف الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، يفضّل بري عدم التوسع في إبداء الرأي، على قاعدة تمسّكه بفصل السلطات وعدم التدخّل في شؤون السلطة القضائية، مكتفياً بالقول: “فليأخذ القضاء مجراه ونحن سنحترم قراره، أياً يكن”.