Site icon IMLebanon

التجارب محك الرجال وبري تغلّب على التجربة  

 

لم يفاجئنا الرئيس نبيه بري في الرسالة التاريخية التي توجّه بها الى الداخل والخارج مع دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، فبدا رجلَ دولة من الطراز الرفيع، ليس فقط بقيادته المفاوضات المضنية مع الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين وحسب، بل أيضاً من خلال الإحاطة الموضوعية الوطنية التي تناول فيها ما آلت إليه الأوضاع، وما حملت من توجُّهٍ للمستقبل، الذي يأمل المخلصون أن يكون مشرقاً، مستفيداً من خلاصات حرب الإبادة والتدمير التي شنّها العدو الإسرائيلي على لبنان.

 

وفيما كان المهجّرون اللبنانيون يعودون، منذ ما قبل الفجر، أمس، الى مدنهم وبلداتهم وقراهم ومنازلهم، ما هو مدمّرٌ منها كلياً أو جزئياً، في مشهدٍ استثنائي بكل ما للكلمة من معنى، كنت أستمع الى كلمة الرئيس نبيه برّي برويةٍ وتأمّلٍ لأرى الى الشاشة، فإذا بي أمام شخصية اكتنزت حكمةً ورصانة ووطنية تبدّت في كل كلمة وفقرة ومقطع.

 

حرص رئيس المجلس على أن يخاطب اللبنانيين كلّهم، وكذلك الكتل النيابية كلّها، وأيضاً الطوائف كلها، واصفاً اللحظة بأنها ليست للمحاكمة ولا لتصفية الحسابات، داعياً الى الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية «لا يكون تحدّياً لأحد، يجمع ولا يفرق» الخ…

 

لقد شاءت ظروف لبنان المعروفة أن يكون رئيس البرلمان هو المرجعية الرسمية الأولى في هذه المرحلة شديدة الدقة والحساسية، في غياب دور قصر بعبدا جرّاء الفراغ الرئاسي، وازداد العبء مع فقدان الحكومة فعاليتها الإجرائية كونها حكومة تصريف أعمال. ولا يُخفى أن ثمة مآخذ عديدة سجّلها أفرقاء وأحزاب ومعارضون على الرئيس بري بسبب طريقة إدارته ملف الاستحقاق الرئاسي كرئيسٍ للمجلس النيابي…

 

وعلى حد قوله ليست اللحظة للحساب. ومن هذا المنطلق نستشف من كلامه، أمس، أننا مقبلون على مرحلة لبنانية جديدة، يُفترَض أنها ستُبنى على نهج جديد في التعامل مع تداعيات الحرب وأثمانها الباهظة. والبداية من انتخاب رئيس للجمهورية يتمتع بالمزايا والمواصفات التي ذكرها بري في كلمته، وهنا تقع المسؤولية المضاعفة على عاتق أبي مصطفى الذي لا يفوته، بداهةً وتجربةً وواقعاً، أن المبدأ، واجب التطبيق، هو (ويجب أن يكون): «الدولة هي الحامي»، وإذا لم تكن قادرة فلنعمل على أن تكون.