Site icon IMLebanon

الرئيس نبيه بري… (تكلم حتى أراك)

 

لبنان بدون خطاب سياسي قادر على مخاطبة العقل واحتواء اللحظة السياسية بافاقها ومخاطرها، واللبنانيون امضوا سنوات طويلة مع الضجيج والقيل والقال ودفعوا اغلى الاثمان مع الغوغاء والفوضى والخفة في الفهم والتعبير على حد سواء، ومنذ سنوات طويلة لم يسمع اللبنانيون خطابا يوضح كيف قوضت كل اسباب الانتظام العام، ولا كيف تجاهلنا العنف والاغتيالات، ولا كيف اقفلت البنوك ذات مساء وتلاشت المدخرات، سنوات طويلة ولا احد من ساسة لبنان يعتقد ان في لبنان بشر عقلاء ويستحقون المخاطبة برفعة واحترام.

 

تابعنا خطاب دولة الرئيس بري وكيف كانت لغة الجسد لدى دولته شديدة الوضوح في التعبير عن القلق من تداعيات اللحظة الوطنية الشديدة الدقة والخطورة، وان وقف اطلاق النار يعني بداية الخطر السياسي الشديد على لبنان المفكك نتيجة الاحقاد والانانيات والاوهام، وكان القلق بالغ الوضوح على ملامح الرئيس نبيه بري المنهك والحزين وكانت ملامحه اكثر بلاغة من النص الذي قرأه امام عموم الناس.

 

خطاب الرئيس بري كان عميق الاحساس بالمسؤولية الوطنية وادراك المخاطر والمكائد التي تنتظر كل الطوائف والمذاهب والاحزاب والتيارات، بعد ان اصبح الانفصال عن الواقع هو الجامع الوطني الوحيد في لبنان، وجلسة مجلس النواب بعد وقف اطلاق النار فشلت في التعبير عما يشعر به عموم الناس، بعد اشهر من القتل والضياع والدمار والعبث بالقيم والثوابت والبديهيات.

 

خطاب الرئيس بري في اعلان وقف اطلاق النار حقيقي من حيث ادراك المخاطر والاوجاع والمتاهات، وكل جملة كانت تقول اريد ان اكون اكثر وضوحا وبلاغة في التعبير عن الخوف الكبير على كل ابناء لبنان، لكن الصياغة كانت اقل مما شاهده اللبنانيون وما سيشاهدونه في قادم الايام بقيادة نخبة شديدة الخواء والادعاء من الذين يعتقدون انهم من سلالات الاباطرة العظام وانهم يتكرمون على العوام البسطاء بشيء من الاهتمام .

 

انا شديد الحزن على موت الخطاب السياسي في لبنان واشكر الرئيس نبيه بري على ما اظهره من حزن وقلق وهو يلقى كلمته في الاعلان عن وقف اطلاق النار والبدء في اطلاق الاوهام والاحقاد والطموحات وتجاهل مرارات واوجاع الناس، الرئيس نبيه بري بذل الكثير من الاحساس والوجدان وهو يلقي ذلك الخطاب كأنه اراد ان يذكر بالفيلسوف اليوناني سقراط عندما قال (تكلم حتى أراك).