Site icon IMLebanon

ملف الترسيم… هل يندلع الخلاف بين عون وبري؟

 

لافتة كانت زيارة كتلة “الوفاء للمقاومة” الى رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس. وإذا كان رئيس الكتلة أدلى بدلوه عن أسباب اللقاء وما طرح خلاله، فإن الزيارة تفتح باب التكهّن عما إذا كان البحث تطرّق الى موضوع انتقال ملف ترسيم الحدود الجنوبية من عهدة الرئيس بري الى عهدة رئيس الجمهورية ميشال عون. أما أسباب هذا التكهن فتعود إلى أن الملف، المحرج جداً بالنسبة الى “حزب الله”، بات قيد التداول والمعالجة في محاولة لتأمين انتقال سلس من دون أي حساسية بين الرئاستين.

 

منذ فترة طويلة وملف المفاوضات حول ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة لا يتقدّم. تنشط المساعي الأميركية وترتفع وتيرة الجهود خلال جولات التفاوض التي يقودها بري ثم تنكفئ لتكون النتيجة “راوح مكانك”. كانت النقطة الاخيرة التي توصل اليها الطرفان هي تلازم الترسيم البري مع البحري، قبل ان يعود المولج متابعة هذا الملف دافيد شينكر أدراجه الى حيث أتى. مستجدان طرآ على ملف الترسيم مؤخراً، الأول زيارة السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا الى بري فاتحته خلالها بالملف، والثاني رغبة عون في استرداد ملف التفاوض الى عهدته. يريد رئيس الجمهورية تحريك الجمود الذي يعتري هذا الملف محاولاً مدّ جسور تواصل جديدة مع الأميركيين مستفيداً هنا من موقعه كرئيس للجمهورية ومحصناً بالمادة 52 من الدستور التي تمنحه حق التفاوض ونسج المعاهدات والاتفاقيات. لكن انتقال الملف من عهدة الرئاسة الثانية، حيث التفويض الممنوح لبري من قبل “حزب الله” منذ سنوات، إلى عهدة الرئاسة الاولى، مسألة لن يكون أمرها سهلاً وقد تعيد إحياء الحساسيات بين الرئاستين معطوفة عليها العلاقة مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي قطع شوطاً كبيراً على خط تصحيح هذه العلاقة. وقد يكون “حزب الله” نفسه، وهو الحليف المشترك بين الطرفين، محرجاً بين مراضاة عون وعدم إغضاب بري.

 

وعلى رغم المخاوف من أن يتحول الأمر إلى مادة خلافية جديدة ستجد طريقها الى العلن عما قريب ليوضع حلها برسم “حزب الله”، إلا أن هناك إجماعاً على أن طرح ملف الترسيم بات واجباً وضرورة مع اعلان الحكومة الاسرائيلية نيتها الشروع في التنقيب عن النفط على الحدود مع لبنان. لن يكون سهلاً على “حزب الله” إقناع بري الممتعض من نقل الملف الى عون، ولا إقناع الأخير في التغاضي عن صلاحياته، خصوصاً أن بعض المطلعين على الملف يؤكدون ان عون حرّك مؤخراً مسارات معينة على غير مستوى وتمكن من تحقيق خرق لمصلحة لبنان. وتفيد المعلومات أن “حزب الله” الذي يلتزم الصمت تجاه الملف، يعمل خلف الستار على معالجته بهدوء خصوصاً أن رئيس الجمهورية كان ينوي عرض الأمر في جلسة الحكومة بالأمس لولا تدخل البعض لإقناعه بإرجاء الخطوة ريثما تكون الامور قد عولجت بالفعل، لا سيما أن شظايا طرح مثل هذا الموضوع قد تصيب رئيس الحكومة حسان دياب الذي سعى جهده لتجنب مرارة عرضه على طاولة الحكومة.

 

ومن الأسباب الإضافية لرغبة عون بتولي الملف بنفسه وجود خرائط للحدود في حوزته، تثبت أن حق لبنان يتجاوز مساحة 800 كيلومتر على حدوده مع فلسطين المحتلة الى 1400 ما يمنحه حق التفاوض على هذه الحصة كاملة وليس أقلّ منها، وأن لبنان له الحق بالتعديل. وقد وثق عون معطاه هذا مع قيادة الجيش التي رأت امكانية في تعديل الترسيم. معطى لم يقنع بري المتخوّف من اضطرار لبنان للتنازل عن سيادته وتعريضه للخسارة. وتدخل المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم على خط المعالجة بين الرئاستين، في وقت فضل فيه “حزب الله” الذي علم بالامر بداية من الجيش قبل ان يطلعه عليه باسيل، التريّث قبل الرد لكنه لم يبد حماسة للموضوع من أساسه واعتبر في حينه ان الوقت ليس مناسباً للتفاوض.

 

مثل هذا الحديث لا يزال داخل الأروقة المغلقة، وتفيد المعلومات أن أحد المسؤولين في “الوطني الحر”، وهو مقيم في اميركا، تولى عرض نظرية تقول إن فك الحصار عن لبنان والمسؤولين فيه وضمان الحصول على مساعدة صندوق النقد قد يكون بالشروع في ملف التفاوض على الحدود البحرية مع اسرائيل بما يظهر أنه ورقة رابحة يمكن لعبها مع الأميركيين.

 

يذكر أنه قبل أزمة “كورورنا” بفترة قصيرة، كانت عقدت في جنيف ورشة عمل غير رسمية نظمتها منظمة غير حكومية، تحت عنوان النفط في الشرق الاوسط، حضرها عدد من النواب والمستشار الاعلامي للرئيس بري علي حمدان وشارك فيها خبراء وأكاديميون، وكان الهدف من الورشة البحث في إقتراحات وبدائل حلول وتولى المشاركون رسم الخط الفاصل على الحدود مع لبنان على خريطة جديدة مختلفة عن تلك الموجودة. ويقال ان الخط الفاصل الوارد في هذه الخريطة هو ما يحاول عون اعتماده كخط ترسيم جديد مستفيداً من حق لبنان بإعادة ترتيب حدوده ودرس امكانية ارسالها الى الامم المتحدة، لكن لم يأخذ بها الأميركيون ورفض بري السير بها بينما تريث “حزب الله” في الرد. وبينما يصر عون على تحقيق تقدم في الملف بعد استرداده، محاولاً طرح مقاربة جديدة لطرحه، تتكثف المساعي لتطويق ذيول أي خلاف بين الرئاستين وهو ما يتم العمل عليه من قبل أطراف عدة من بينها رئيس “الوطني الحر” الذي لا يبدو من سياق موقفه حول ما يحصل انه في وارد افتعال مشكلة مع بري ولذا يبدو متريثاً. ويعول عون على علاقته بـ”حزب الله” الذي لا يرفض له طلباً، بالمقابل تلقف “حزب الله” تحفظ بري. وما بين الطرفين تؤكد مصادر معنية بالمعالجة أن المؤشرات عند مختلف الأطراف تفيد أن الامر لن يتحول الى مادة خلاف جديدة بين الرئاستين بل هو مجرد نقاش حول تحقيق مكاسب للبنان.