Site icon IMLebanon

عند برّي… “دمار البلد ولا خراب الكرسي”

 

واهم من يظن أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يُعتبر العمود الفقري للمنظومة الحاكمة ما بعد “الطائف” قد يتغير، فمهما عصفت بالبلاد إنفجارات وأزمات وكوارث فإن رئيس المجلس يبقى هو هو ولا شيء يؤثّر فيه.

 

لم يحرّك مشهد إنفجار المرفأ المزلزل برّي، ولم يؤثّر به منظر الدمار والخراب، ولم يدفعه إنبعاث رائحة الموت من بين الأحياء المدمرة في الجميزة والأشرفية والكرنتينا والمحيط إلى الإنتفاض على الواقع، ولم تعنِ له قوافل الناس التي هُجّرت من منازلها بسبب عصف الإنفجار شيئاً، وكأن المنطقة التي وقع فيها الإنفجار في كوكب آخر أو بلد آخر، لذلك لم يسارع إلى الدعوة إلى جلسة برلمانية لمحاسبة الحكومة والمقصّرين، لكن أن يُمسّ بهيبته كرئيس مجلس تحوّل إلى “دُمى” فهنا الويل والثبور وعظائم الأمور.

 

كان يمكن أن يبقى رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب وينال رضى الطبقة الحاكمة لو لم يمسّ بهيبة برّي، مع العلم أن الشعب كان سيسقطه حتماً، لكن الحديث هنا عن الجانب السياسي وليس الشعبوي، فدياب الواثق من نفسه إرتكب الخطيئة المميتة حيث ذهب بعيداً يوم الجمعة الماضي وكان ينوي تقصير ولاية مجلس النواب والقيام بانتخابات نيابية مبكرة، لكن برّي كان ينتظره على الكوع وسارع إلى تطيير الحكومة لكي يبقى متربّعاً على العرش، خصوصاً أن موعد مساءلة الحكومة حدّده بري بعد نحو 10 أيام من الإنفجار، ما يدل على أنه غير آبه للدمار والخراب وسقوط الشهداء والجرحى بل المهم ألّا يهتزّ عرشه.

 

قد تكون مقولة “يموت الشعب لكن المهمّ أن يبقى الحكّام” هي من أكثر المقولات التي تنطبق على برّي، وهو الذي يتربّع على كرسي رئاسة المجلس النيابي منذ 28 سنة، أي منذ عام 1992، ولم يسجّل أي إنجاز برلماني أو يجعل مجلس النواب مؤسسة منتجة، وقد ذهب بعيداً في وصف ما حصل الأسبوع الماضي وهذا الأسبوع، إذ اعتبر أنه “كانت هناك مؤامرة للإستقالات من المجلس النيابي وأن تصبح الحكومة تحاسب المجلس وليس المجلس يحاسب الحكومة”.

 

ويشكّل كلام برّي صدمة للرأي العام، إذ إنه من المعلوم أن المحاسبة جائزة في الدول الديموقراطية، والإستقالات هي أحد أهم السبل للتعبير إما عن عدم قدرة المسؤول على الإستمرار في تحمّل المسؤولية أو إعتراضاً أو عدم رضى على حدث قد حصل، في حين أن نظرية المؤامرة موروثة من الأنظمة الديكتاتورية التسلّطية، ويبدو أن برّي المتسلّط على كرسي المجلس متأثر جدّاً بنظرية المؤامرة، ولا يريد أن ينزل عن عرشه ليسمع صوت الناس التي تنادي برحيل، ليس فقط الحكومة، بل مجلس النواب ورئيس الجمهورية وكل المنظومة الحاكمة.

 

المؤسف أن الرئيس برّي يرى أن الإستقالات من المجلس إحتجاجاً على التقصير والإهمال الذي حصل مؤامرة، بينما إنفجار 2700 طن من نيترات الأمونيوم وتدمير المرفأ وسقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى هي قضاء وقدر وحدث يمكن أن يمرّ مرور الكرام، في حين أن برّي من أكثر السياسيين خبرةً في محاولة طمس الأحداث وحرف الإنتباه عنها، والجميع يتذكّر دعوته إلى جلسة لمناقشة قانون الإنتخاب بعد أسبوع على إغتيال الرئيس رفيق الحريري.

 

ولا يتأخّر برّي في إستغلال كل الأحداث للوصول إلى مشروعه وهدفه ومحاولة بسط “الثنائي الشيعي” سيطرته على النظام اللبناني، وهو كما يصفه بعض أخصامه “يقول كلام حقّ يراد منه باطل”، من هنا، فإن بري يعود ويلوّح باعتماد الديموقراطية العدديّة، مستغلاً أوجاع الناس وآلامها واللحظة التي ينصرف الجميع للملمة آثار الإنفجار، فكانت دعوة برّي المبطّنة إلى إعتماد الديموقراطية العدديّة، والإصرار على قانون إنتخابات نيابية من دون عائق مناطقي أو مذهبي والإقتراع في أماكن السكن.

 

ويحلم كل لبناني بالوصول إلى دولة مدنية حرّة، لكن الجميع يعلم أنه في ظل وجود أحزاب طائفية مثل حركة “امل” وأحزاب تقوم على الفكر المذهبي المستورد من خارج الحدود مثل “حزب الله” لا يمكن إلغاء الطائفية السياسية من النصوص قبل النفوس، وبالتالي، فإن التهويل بإلغاء الطائفية السياسية في هذا التوقيت ليس إلا وسيلة يعتمدها برّي من أجل حرف الأنظار عن تفجير المرفأ وتقصير الطبقة السياسية الحاكمة التي ينتفض الشعب لمحاسبتها، حيث يعتبر معظم هذا الشعب أن برّي هو رأس المنظومة الحاكمة، لذلك تتركّز التظاهرات حول محيط مجلس النواب وتظهر بوضوح تجاوزات شرطة حرس المجلس التي يصفها الثوار بأنها “ميليشيا برّي”.

 

أمام كل هذه الوقائع، إن فقدان بري السيطرة على الواقع ليس إلا مسألة وقت، فلا شيء يوقف إنتفاضة الشعب اللبناني وإصراره على إقتلاع نظام الفساد من أساسه، وبالتالي فإن كل “الأرانب” أو “الفبركات” التي يركّبها “الإستيذ” لم تعد تنفعه لأن الشعب قال كلمته ووضع برّي على الهامش… والمحاسبة آتية لا مُحالَ.