Site icon IMLebanon

بعد استسلام بري… التكليف والتأليف في نفق مظلم

 

 

أطفأ رئيس مجلس النواب نبيه بري محركاته بعد لقاء مطول جمعه يوم الجمعة المنصرم برئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بناء على رغبة رئيس الجمهورية ميشال عون.

 

اعتقد رئيس مجلس النواب أنّ الانهيار المالي والاقتصادي الآخذ في التمدد، وأنّ الكارثة التي خلّفها زلزال الرابع من آب الماضي، وأنّ الاندفاعة الدولية تجاه لبنان والمشروطة بقيام حكومة محصنة بتوافق داخلي تكون مهمتها الوحيدة تنفيذ الاصلاحات، قد تدفع باسيل إلى رفع الفيتو المرفوع ضدّ رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري ليعود إلى السراي الحكومي بحجة أنّه لا يزال الأقوى في طائفته وأنّ بقاءه خارج المنظومة الحكومية، سيفتح الباب أمام انتاج نسخة منقحة لحكومة حسان دياب، وبلوغها بالنتيجة حائطاً مسدوداً.

 

على هذا الأساس، طرق بري باب القصر في بعبدا، خصوصاً أنّ الاتصالات بين الرئاسة الأولى وبيت الوسط مقطوعة، وما من وسيط غير رئيس المجلس ليعيد وصل قنوات المشاورات بين الفريقين.

 

بالأساس، لم يبد الحريري أي حماسة لدخول بازار الأخذ والردّ حول موقفه من التكليف. اعتصم بالصمت مكتفياً بما سينتج عن الحركة التي يقودها رئيس المجلس المقتنع أنّ اللحظات المصيرية التي تعيشها البلاد تفترض تفاهماً سياسياً شاملاً، لا يمكن تحقيقه إلا بانضمام رئيس “تيار المستقبل” إلى هذا التفاهم.

 

كثيرة هي الأسباب التي تدفع الحريري إلى تقليص حركته والابتعاد عن الأضواء خلال هذه الساعات، لعل أبرزها الغموض الذي يحيط بالموقف الدولي من ترشحه لرئاسة الحكومة. لم تقدم واشنطن أو باريس على أي خطوة جدية من شأنها ازالة الالتباس حول موقفهما من الحريري. تركتا الطابة في ملعب القوى اللبنانية التي تحاول اللعب على وتر هذا الغموض والاستثمار في أسماء اخرى. ولهذا يحاذر الحريري الغوص في مستنقع المفاوضات من منطلق قوة تاركاً الدفة بين يدي رئيس المجلس. هكذا لم يفض لقاء عين التينة إلى أي خرق. نهجان مختلفان، لا بل متناقضان سادا الجلسة:

 

يقول رئيس مجلس النواب إنّ القانون هو الحكم، وبالتالي من الضروري تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لكي يدلي النواب بدلوهم فتتحدد المواقف ويصار الى اختيار رئيس للحكومة ومن بعدها ينتقل النقاش الى مربع أجندة الحكومة احتراماً لصلاحيات الرئيس المكلف. حتى الحريري يسلّم بهذا السيناريو الذي يعتبره الأسلم دستورياً.

 

فيما يرى باسيل إنّ الاتفاق المسبق على اسم رئيس الحكومة وعلى برنامج الحكومة العتيدة، يجب أن يسبق الموعد الدستوري. هكذا حصل حين كلف حسان دياب، حيث وظّف رئيس الجمهورية ورقة تحديده موعد الاستشارات، لكي يفتح باب المفاوضات على اسم المرشح لخلافة الحريري بعد خروجه على وقع انتفاضة 17 تشرين الأول. وفي اعتقاد باسيل أنّ هذه القاعدة لا تزال صالحة للاستخدام، حيث ينطلق في مشاوراته من رفضه لعودة الحريري مفضلاً طرح اسم جديد من خارج المنظومة السياسية، تكراراً لتجربة حسان دياب، حيث تشير المعلومات إلى أنّه يطرح عدة أسماء، أبرزها غالب محمصاني لتولي رئاسة الحكومة.

 

بالنتيجة، شعر بري أنّ محاولته لاحداث خرق في جدار الحكومة لن يوصل إلى أي مكان طالما أنّ المعادلة التي أتت بالحكومة المستقيلة، لا تزال هي نفسها، وهو أصلاً لم يكن متحمساً لتلك التجربة، وهو لذلك لن يكمل مسعاه اذا لم تتغير الاعتبارات. وهذا ما يفسر انزعاجه مما أفضى اليه اللقاء مع باسيل ما دفعه الى الاعلان انّ يداً واحدة لا تصفق.

 

عملياً، جلّ ما يحاول بري القيام به هو الضغط باتجاه البحث عن مخارج جديدة ووسطاء جدد كونه نفض يديه من مهمة صياغة تفاهم سياسي يسرّع عملية التأليف… وإلا فإنّ الانتظار هو سيد الموقف.

 

انتظار ماذا؟

 

إما تبادر رئاسة الجمهورية الى تحديد موعد للاستشارات حيث تترك للأغلبية النيابية تسمية رئيس الحكومة الجديد، فيخرج “التيار الوطني الحر” من هذه الأكثرية بحجة رفضه تسمية الحريري، ويكون بذلك أعفى باسيل نفسه من احراج تسمية رئيس “تيار المستقبل”، على أن يترك بتّ مسألة المشاركة في الحكومة من عدمها، إلى حينه، بعد تمرير استحقاق التكليف.

 

وإما انتظار عامل خارجي من شأنه أن يبدل المشهد. ومن هذه العوامل الضغوطات المالية ورفض الدول المعنية مدّ لبنان بأي دفعة دعم، أو حتى رفض الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تجديد زيارته إلى لبنان للمشاركة في احتفالات مئوية لبنان الكبير في أيلول المقبل تعبيراً عن انزعاجه من سلوك القوى السياسية.

 

وفي مطلق الأحوال، يبدو أن التأليف دخل نفقاً مظلماً.