مرّة جديدة يتصرّف “الثنائي الشيعي” المتمثل بـ”حزب الله” وحركة “أمل” وكأن لا دولة لبنانية، بل إن الدويلة هي الحاكمة وهي من تفاوض حتى في الملفات الحساسة.
من أكثر القصص التي تثير السخرية هو أن “الثنائي الشيعي” متمسك بحقيبة المال كي يضمن التوقيع الثالث في الجمهورية اللبنانية والمشاركة في قرار السلطة التنفيذية، فيما الحقيقة أن الدويلة، بجناحيها العسكري بقيادة “حزب الله” والسياسي برئاسة رئيس حركة “أمل” نبيه برّي، تهيمن على كل القرارات التنفيذية بقوّة السلاح والأمر الواقع، وكأن لا وجود لرئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء أو أي مؤسسات شرعية.
ويظهر ذلك جلياً من خلال تكليف “حزب الله” الرئيس نبيه برّي بالتفاوض على ملف ترسيم الحدود مع إسرائيل، علماً أن مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر سيزور بيروت في الأيام المقبلة لمتابعة هذا الملف مع ترويج معلومات أن الإتفاق بات قريباً.
وفي السياق، فان برّي الذي تخلّى عن دوره كرئيس لمجلس النواب ويترأس مجلساً لا ينتج، يفاوض باسم “حزب الله” مع الجهات الخارجية، ولعب هذا الدور خلال حرب تموز 2006 بين إسرائيل و”حزب الله” وكأن لا وجود لشيء اسمه دولة لبنانية، في حين أن رئيس مجلس النواب يجب أن يعمل ويتحدّث باسم الشعب وليس باسم أي جهة حزبية.
ويتفق الجميع على أن ما يفعله برّي يتجاوز كل الأصول، فهو رئيس السلطة التشريعية وليس السلطة التنفيذية، وفي تراتبية المؤسسات وهرميتها ومسؤولياتها، فان من يتولى التفاوض مع الخارج هو أولاً رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة وبالطبع وزير الخارجية والوزير المختص، فما علاقة رئيس السلطة التشريعية بالتفاوض مع دولة خارجية؟
أما الأمر الثاني والأهمّ فهو من كلّف برّي بالقيام بهذه المهمة؟ ومعروف أن رئيس الجمهورية هو من يفاوض باسم لبنان ومعروف أن صلاحياته بالنسبة للسياسة الخارجية هي أكثر بكثير من صلاحياته الداخلية وهذا الأمر إستغله الرئيس السابق ميشال سليمان جيداً، وعندما يريد أن يكلّف رئيس الجمهورية مسؤولاً للقيام بمهمة خارجية يستدعيه إلى القصر ويكلّفه، وهذا الأمر يحصل تكراراً مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم حيث كلّفه الرئيس ميشال سليمان بالتفاوض لتحرير راهبات معلولا مثلاً، كما كلّفه الرئيس ميشال عون أخيراً للقيام بزيارة خليجية قبل انفجار المرفأ في 4 آب، لكن عون لم يكلّف برّي بالتفاوض في موضوع ترسيم الحدود مع إسرائيل.
ومن جهة ثانية، فان مجلس الوزراء سواء الذي كان برئاسة الرئيس سعد الحريري أو المجلس المستقيل برئاسة الرئيس حسان دياب لم يكلّف بري التفاوض باسم الدولة اللبنانية على ملف الحدود، وبات واضحاً أن كلّ ما يقوم به برّي هو من موقعه كرئيس حركة “امل” وبتكليف من “حزب الله” وليس من موقع مسؤول في الدولة اللبنانية مكلّف رسمياً القيام مع شينكر بمهمة التفاوض حول الحدود الإسرائيلية. من هنا، فان الدولة اللبنانية تستمرّ في مسلسل “التهاوي” تحت ضربات دويلة “حزب الله” التي تتحكّم بمصير البلاد والعباد، وترسم سياسة خارجية لا تسأل رأي الشعب والمؤسسات وتقاتل في كل الساحات العربية وتضرب علاقات لبنان الخارجية، لذلك واجب على الدول الكبرى التي تقول إنها تريد مساعدة لبنان وقيام الدولة ألا تقبل إلا بالتفاوض مع الشرعية لا أن تعطي جهات حزبية أدواراً ليست من صلاحياتها، في حين أنه يتوجب على بري أن يعود إلى وظيفته الأساسية والتي ستنتهي نهائياً بعد سنتين إذا استمر المجلس لهذا الوقت، وهي رئاسة السلطة التشريعية ويتخلى عن دوره كوزير خارجية “الدويلة”.