IMLebanon

في خدمة “المشروع”

 

 

نضحك كثيراً على الناس لو أوهمناهُم بأن الترسيم بين لبنان واسرائيل أولوية وطنية فرضت نفسها قبل مبادرة ماكرون، وأن “براءة” الثنائي الشيعي دفعته الى “معركة التفاوض” خشية ان يتبخر الغاز الموعود في البلوك 9 لتسديد الديون التي ترزح تحتها البلاد.

 

ومن المفارقات المدهشة ان تكون خطوة “تاريخية” من نوع بدء التفاوض مع اسرائيل أسهل على محور الممانعة من تسهيل قيام حكومة اختصاصيين أُجهضت بكبسولَتي “الميثاقية”: وزير المال الشيعي، وتسمية سائر الوزراء الشيعة.

 

هو “أرنب” جديد رُبِّي بعناية محترفين. يَحرف الأنظار لوَهلة عن مسؤولية “المنظومة” عن الانهيار الكبير، لكنه يعجز عن ستر عورتها بعدما أوغلت في الفساد وتعرّت بجريمة 4 آب وبات رحيل كبيرها وصغيرها حاجة وطنية لا تحتمل التأجيل.

 

كان أجدى لو صارح الرئيس بري اللبنانيين، فأبلغهم بأن “المنظومة” وصلت الى ذروة أزمتها مع تفجير المرفأ، وأن ضغط العقوبات الاميركي وصل على بُعد شعرة منه حين طاول علي حسن خليل، أو ان ايران ومحورها يعانيان ضيق ذات اليد والعجز عن التكافؤ في المواجهة مع “الشيطان الأكبر” وحليفته اسرائيل منذ مقتل الجنرال سليماني وما تلاه من غارات في الملعب السوري، لذلك فرضت مقتضيات المرحلة وحاجة “الثنائي” خطوة استثنائية تمثلت بالانخراط في عملية الترسيم برعاية الوسيط الأميركي “النزيه”.

 

كل الاحتمالات واردة، بدءاً من أن يكون “حزب الله” ومن يدور في فلكه يرغبون في تقطيع مرحلة ما قبل “العهد” الأميركي الجديد بالحصول على بوليصة تأمين، فينخرطون في تفاوض طويل على وقع تطورات الوضع الاقليمي والدولي ليُبنى على الشيء مقتضاه، أو انهم قرروا قلب الصفحة والدخول في الـ”deal” فيحدُّون خسائرهم ويصونون ما انتزعوه حقاً مشروعاً أو أسلاباً وغنائم حرب، وهنا لن تعوزهم الحنكة السياسية ولا الفتاوى الجاهزة لتبرير هدنة التطبُّع قبل التطبيع.

 

على أي حال، سواء أتى قرار “الحزب” بالتفاوض نتيجة اضطرار، او انه سياق مرسوم منذ عقود مآلُهُ التنازل لاسرائيل مقابل هيمنة على الحدود والقرار الداخلي، فإن “المكسب” جاء متأخراً عشرين سنة، أي منذ انجاز التحرير. وقتذاك لو أهدت المقاومة انتصارَها الى الدولة لحققت بسهولة مكانةً أكبر في النظام السياسي ووفرت على نفسها وعلى لبنان كل هذا العذاب الطويل، مضيفة الى رصيدها فضلَ دعم قيام الدولة السيدة التي ترعى كل اللبنانيين.

 

يرمي الرئيس بري كرة الترسيم عند رئيس الجمهورية والجيش اللبناني ليخوضا التفاوض بالوكالة بعدما أتمَّ ما يُفترض أن تعهَّد به صاحبُ القرار الفعلي… سيبقى الوضع مشوباً بغموض كبير ما دام المفاوضان لا يتمتعان بحرية القرار وما دام هدف المُتحكم بالتفاوض خدمةَ “المشروع” الاستراتيجي الفئوي.

 

أسهل طريق لتبديد الالتباس وتعزيز الموقف التفاوضي وضعُ السلاح بإمرة الجيش لترجمة إشادات مؤتمر “عين التينة” الصحافي، وهو ما لن يخطر في بال “الثنائي” وغطائه الرئاسي.