Site icon IMLebanon

ما الذي هدف إليه طرح بري الإنتخابي؟

 

مع كل يوم جديد تضاف أزمات سياسية الطابع لكن طائفية الجوهر، على كاهل اللبنانيين وسط كل المآسي الكارثية التي يعيشها اللبنانيون وعلى رأسها تلك الاقتصادية وإفرازاتها الإجتماعية والحياتية والإجتماعية، بينما تكبر كل يوم شريحة اللبنانيين العاطلين عن العمل والمُفلسين، وبينهم من يتوجهون بثبات نحو ما يصطلح على تسميته بـ«الفقر المدقع» أي عدم كفاية غذائهم اليومي إزاء مدخولهم.

 

ورغم كل ذلك، لم يرحم السياسيون شعبهم وتناتشوا المناصب الوزارية تحاصصيا ما أدى الى إطالة للتشكيل الحكومي الى أمد غير منظور، في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد أكثر من أي وقت مضى لحكومة فاعلة وجديّة.

 

آخر سجالات البلاد تمثلت في موضوعي التدقيق الجنائي وقانون الانتخاب. فالتدقيق الذي يعارضه أركان في الطبقة السياسية ولو في شكل مستتر وذلك تحت عنوان تعديل قانون السرية المصرفية، واجهه طرح انتخابي من قبل «كتلة التنمية والتحرير» برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري، دعا الى لبنان دائرة واحدة مع النسبية، يرى البعض أنه جاء من ناحية التوقيت والمضمون للتغطية على مسألة التدقيق.

 

على ان هذا التدقيق الذي سيتخذ مسارا بيروقراطيا طويلا في المجلس النيابي، هذا إذا صفت النيات، سيكون في حاجة الى توافق من قبل القوى الكبرى في البلد في ظل عدم حماسة له من «تيار المستقبل» وحركة «أمل» و«الحزب التقدمي الإشتراكي».

 

وبعد 24 ساعة من الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية ميشال الى مجلس النواب للتعاون مع السلطة الاجرائية من أجل تمكين الدولة من إجراء التدقيق المحاسبي الجنائي، تتوجه الانظار نحو قانون الكتلة الذي بحثته اللجان المشتركة أمس بنوع من التشدد كما عُلم، حسب أحد أعضاء الكتلة الذي يشدد على أن الوقت حان لتطوير النظام، من دون ان يعني ذلك ان القانون الحالي لم يشكل نقلة عن قانون الـ 60 المعدل الذي اعتمد في اتفاق الدوحة العام 2008.

 

حسب المؤيدين للقانون، فقد بات لزاما على اللبنانيين البحث في علّة البلد المتمثلة في النظام الطائفي والمذهبي، وسط مخاوف من سرقة الوقت للبنانيين في ظل نقاشات عميقة دلت عليها جلسة الأمس، علما بأن هناك في الكتلة من يؤكد أن القانون جاء بعد وعد لبري يربو عن العام بمناقشته وطرحه على مجلس النواب.

 

على أنه في قراءة بسيطة لمآل التدقيق والقانون، لا يبدو ان ثمة امكانية لتمريرهما قريبا، ويعتبر البعض أن بري قد سحب البساط ببراعة من تحت أقدام من يدعون الى انتخابات نيابية مبكرة، وهما في الاساس القوتين المسيحيتين «القوات اللبنانية» و«الكتائب».

 

لا شك ان هاتين القوتين سارعتا منذ الايام الاولى لاندلاع الانتفاضة الشعبية الى استثمار ما حدث في 17 تشرين، ومحاولة تصريفه سياسيا في تكبير حجمهما في السلطة على حساب «التيار الوطني الحر» الذي كان الضحية الاولى للحراك الشعبي.

 

الأحوال الشخصية في وجه الطائفية السياسية!

 

وبطرحه هذا القانون، أطاح بري بمساعي هاتين القوتين وهو ما دفع زعيم «القوات» سمير جعجع الى وضع ذلك في اطار المؤامرة وحتى اعتباره قضية خطيرة جدا على النسيج الوطني ما ألقى بظلاله على جلسة أمس، مسارعا الى توحيد موقفه مع «التيار» الذي يتمايز عنه، ولو في الشكل، لكونه لم يخرج بموقف مصلحي أمام العامة، بل دعا الى حل شامل وصولا الى دولة مدنية ولامركزية ادارية، كما يرى البعض.

 

على ان ذلك لا ينفي ان التيار يقابل كل مسعى لإلغاء الطائفية السياسية ولو نص عليها اتفاق الطائف، بإثارة قضايا شائكة يعلم تماما إستحالتها اليوم مثل الاتفاق على قانون للأحوال الشخصية لعلمه بصعوبة ذلك لدى الطوائف الاسلامية، علما أنه صعب أيضا لدى تلك المسيحية، لكنه سيدفع باتجاهات صراعات البلاد في غنى عنها.

 

كما لدى القوى المسيحية تساؤلاتها حول توقيت الخروج بالطرح الانتخابي الحالي بعد أن اتخذ الامر تسع سنوات تقريبا للتوصل الى القانون الحالي للانتخابات بعد صراع كبير تمكن بعده المسيحيون من استعادة بعض حقوقهم التمثيلية، إضافة الى طرح تساؤلات حول ماهية صلاحيات مجلس الشيوخ المأمول.. وهناك من يعتبر بين هؤلاء أنه كان الحري ببري منح الأولوية الى القوانين الإنقاذية للبلاد ومنها التي دعا إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونصت عليها مبادرته التي لا تزال مجمدة بفعل التحاصص الطائفي والمذهبي..

 

يبدو أن بري أراد بطرحه تحريك المياه الراكدة وهو يعلم تماما ان لا أمل لقانون كهذا وسط عواصف إقليمية لبنان في صلبها. كما أن المجلس النيابي سيكون قاصرا عن مقاربة مسألة ضخمة كهذه وهو لم يتمكن من تمرير مسائل أخرى أكثر إلحاحا ومنها مثلا قانون استقلالية القضاء..

 

وبذلك يظهر بري بمظهر المصلح للنظام السياسي والمتقارب مع نبض الإنتفاضة الشعبية، علما بأن مجموعات الحراك، وهي المؤيدة بقوة لانعتاق من القوانين الانتخابية الطائفية وتسعى الى قانون انتخابي خارج القيد الطائفي ولبنان دائرة انتخابية واحدة أو حتى دوائر كبرى، لا ترى في الطرح الحالي لـ»كتلة التنمية والتحرير» سوى تسجيلا اعلاميا للنقاط على الخصوم ومحاولة لاستعادة بعض الشعبية المتراجعة، وقبلها تحويل الانظار عن قضية التدقيق الجنائي، في ظل معارك تحاصصية طائفية في تشكيل الحكومة من قبل القيمين على القانون المطروح.

 

في كل الاحوال، شكلت نقاشات أمس تدشينا لحوار يجب أن يجري حول تطوير النظام، مع إستحالة الوصول الى قانون يرى المسيحيون أنه يستهدفهم عبر انقلابه على نظام «يحميهم»، لكن برغم كل الظروف، فإن ذلك قد يؤسس الى إعادة النظر بالقانون الحالي نفسه وتعديله خاصة لجهة زيادة الصوت التفضيلي.