Site icon IMLebanon

المُستَخفي في عفريت بري

 

 

لم يُخرج الرئيس بري هذه المرة أرنباً من كُمِّه. ما سحَبَه هو سعدانٌ يخرّب أولويات اللبنانيين أو عفريت يلوِّح بمفاجآت.

 

كان أفضل للرئيس بري ان يبقى متلقياً مدائح كل الأطراف، فيستمتع، وهو الثمانيني المحنك المالك سعيداً على مجلس النواب، بلقب “الضمانة” و”داهية البرلمان” و”ضابط الايقاع” و”صلة الوصل” في أزمنة الفراق، لكنه فضَّل أن يتابع لعبة التحدي التي هيّأ لها منذ أشهر غير آبه بالتحذيرات من طرح قانون جديد للانتخاب يثير الريبة قبل الانقسام.

 

دقَّ بري الباب أمس فسمعَ الجواب. هو ليس ساذجاً ليبادر الى استثارة الحساسيات المسيحية مجاناً وبلا أهداف، فإذا كانت “حزازات الصدور” باقية تجاه “القوات” لأنها لم تمحضه ورقة الإجماع يوم أعيد انتخابه رئيساً للبرلمان، فهو يدرك على الأقل ان الوضع الحالي لا يحتمل زرع شقاق بين حليفه “حزب الله” وبين “التيار” العوني أو كسر الجرة بينهما من أجل موضوع مفتعل وقابل للتأجيل.

 

يعلم الرئيس بري حتماً أن التستّر بتطوير النظام في اتجاه الدولة المدنية لاقتراح لبنان دائرة انتخابية واحدة، لا يتضمن إلا تهديداً بتحويل المسيحيين أقلية أو استعادة لزمن الوصاية المشؤوم، يوم كانت المنظومة السياسية بأرجحيتها الاسلامية تختار ممثلي المسيحيين، مستفيدة من سجن زعيم ونفي آخر و”تعامل” آخرين، بيد ان رئيس المجلس يتجاهل عمداً أن لبنان دولة مدنية وأن اي تحديث للنظام في اتجاه صحيح يجب ان يبدأ بإلغاء الحركات والأحزاب الطائفية، وخصوصاً المسلحة والجلوس الى طاولة بحث جدي حول “الأحوال الشخصية” وما يستتبعها من حق الحضانة وزواج القاصرات، وغيرها من المسائل الدقيقة التي لا يُقفَلُ باب نقاشها اذا فتحت الملفات، بمعنى آخر ان التطوير يكون نحو العلمنة والمواطنية الكاملة وليس الهيمنة الطائفية عبر الأكثرية العددية.

 

للأحزاب المسيحية أسبابها المتنوعة والشرعية وخصوصاً الانتخابية في رفض مقترح الرئيس بري الذي يتولى التغريد له نائبه البعثي السني قاسم هاشم، لكنّ للثورة والمجتمع المدني أسباباً أكثر وجاهة للقول للرئيس بري: “الناس بالناس…”، أتُراكَ لم تلحظ أمس أهالي شهداء المرفأ يتظاهرون امام مجلسك الكريم ويحمِّلون منظومتك مسؤولية التفجير والتدمير؟ أنسيتَ أن ثورة 17 تشرين طالبت منظومتكم بالرحيل بدءاً من رئيس الجمهورية وصهره العزيز وصولاً الى مجلسكم الموقر، الذي غطَّى في ظل رئاستكم المديدة كل الحكومات والصفقات والمحاصصات وتسبَّب بانهيار البلاد؟

 

يخطط الرئيس بري لشيء بالتأكيد، أقلّه ربما تطيير الانتخابات المقبلة بحجة الخلافات. ولولا أهمية ما يضمره ما كان ليقبل بـ”الدور السيئ” مقابل “الدور الطيب” الذي أدَّاه “حزب الله” أمس، مسايراً العونيين بقطبة الانفتاح على سد ثغرات القانون الحالي. وإذ يعلم أن اولويات الناس تسمية المجرمين الذين فجَّروا بيروت وسرقوا الودائع وتأمين لقمة العيش وتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين، فإنه وضَع بالأصالة عن نفسه وبالوكالة عن توأمه في “الثنائي” قنبلة موقوتة في الحياة السياسية يمسك صاعقها ويعدل عقاربها حسب تطور الأحداث في لبنان والإقليم.

 

المطلب “البريء” الظاهر، دولةَ الرئيس، قانون انتخاب جديد، فيما المستتر تعويد الناس على فكرة تعديل النظام السياسي، عبر نسف الاستحقاقات ومشاريع غلبة وهيمنة تطلع من جعبة عفاريت أخفت الأرانب.