تحريك ملفّات قضائيّة حسّاسة… هل هي انتقائيّة وسياسيّة ؟!
بعد ساعات على تشديد رئيس الجُمهوريّة العماد ميشال عون على ضرورة تفعيل العمل القضائي، وعلى أنّه من غير الجائز أن تبقى الإتهامات التي تُوجّه إلى المسؤولين من دون مُتابعة، ودعوته الجسم القضائي إلى عدم التأثّر بالحملات السياسيّة الإعلاميّة، إنفجرت على بعض المحطات والمواقع الإعلاميّة ومنصّات التواصل الإجتماعي، مُواجهة بين «التيّار الوطني الحُرّ» من جهة، و«حركة أمل» وبعض الحُلفاء من جهة أخرى، مُرتبطة بملفّات الفساد وبعمل القضاء وبالإتهامات المُتبادلة… فما الذي يحصل؟
بحسب أوساط سياسيّة مُطلعة إنّ تنسيقًا قد تمّ في الساعات الماضية بين مسؤولين من كل «حركة أمل» و«الحزب الإشتراكي» و«تيّار المُستقبل»، بهدف التصدّي لما إعتبروه تحريكًا إنتقائيًا وكيديًا بخلفيّات سياسيّة للقضاء، وذلك من قبل «التيّار الوطني الحُر» الذي عليه برأيهم، البدء بفتح ملفّات وزارة الطاقة ومؤسّسة كهرباء لبنان، إذا كان يُريد فعلاً مُكافحة الفساد وليس الإنتقام السياسي من خُصومه! وقد حصل توافق بين الأفرقاء الثلاثة على رفض أي مُحاولة لتوظيف القضاء لغايات سياسيّة وإنتقاميّة وشخصيّة، مُبدين إستعدادهم لإخضاع أي مُشتبه أو مَطلوب للمُساءلة، بشرط أن يتمّ تحويل كلّ الملفّات التي فيها شُبهة إلى القضاء، وليس فقط تلك التي يُحرّكها «التيّار الوطني الحُرّ»، عبر إعلامه أو عبر مُحاميه أو عبر بعض المَسؤولين القضائيّين المَحسوبين عليه. ولفتت الأوساط السياسيّة نفسها إلى أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي أكّد أنه لن يقبل بقضاء «على ناس وناس»، مُستغربًا بأنّ الجهة التي عطّلت بالأمس القريب التشكيلات القضائيّة، تُطالب اليوم بتفعيل عمل القضاء وبمُكافحة الفساد!
وبحسب المَعلومات المُتوفّرة، فإنّ تحريك ملفّات قضائيّة حسّاسة لضُبّاط كبار على خلاف مع «التيّار الوطني الحُر»، وبعضهم كان بمثابة يد «التيّار» اليُمنى في الماضي قبل أن يختلف معه لاحقًا، ومن ثم الإدعاء على المُدير العام لوزارة المُهجّرين إضافة إلى 16 مُوظّفًا في الوزارة حتى تاريخه، بناء على قانون الإثراء غير المَشروع، دفع كل من «أمل» و«المُستقبل» و«الإشتراكي» إلى التحرّك، خاصة وأنّ المَعلومات تؤكّد التحضير لفتح ملفّات أخرى لمسؤولين ولشخصيّات مَحسوبة على هذه القوى، حيث تُوجد حملات إعلاميّة مُوجّهة حاليًا على بعض الإدارات والمُؤسّسات، منها مثلاً حاكميّة مصرف لبنان والمديريّة العامة للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، إلخ. إشارة إلى أنّ قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي ومدير المُخابرات الأسبق العميد كميل ضاهر وبعض الضُبّاط الآخرين تبلّغوا بوجوب الحُضور اليوم أمام قاضي التحقيق الأوّل في بيروت بالإنابة، شربل أبو سمرا، في قضيّة الإثراء غير المَشروع، والإتجاه هو أن لا يحضر الضبّاط، على أن يُقدّم مُحامو الدفاع عن كلّ منهم دُفوعًا شكليّة.
ورأت الأوساط السياسيّة المُطلعة أنّ «التيّار الوطني الحُرّ» يَعتبر في المُقابل أنّ الحملات التي تستهدفه والتي تطال بعض القضاة الذين يصفهم بالجريئين، تهدف إلى وقف مسيرة الإصلاح ومُكافحة الفساد. وأضافت أنّ «التيّار» يستغرب ما يُساق من إتهامات بشأن إستغلال القضاء لغايات سياسيّة، حيث يؤكّد أنّ فتح مُطلق أيّ ملف لا بُدّ أن يُثير حفيظة جزء من الجهات والقوى السياسيّة، لأنّ لبنان مُسيّس والمسؤولين في الإدارات الرسميّة مُحسوبون على هذا الطرف أو ذاك في نهاية المطاف. وتابعت الأوساط نقلاً عن «التيّار» سؤاله المُعترضين عن سبب عدم قيامهم بتحضير ملفّات قضائيّة ضُدّ من يرونه فاسدًا، وإستغرابه لعدم رفع الدعاوى عليه أمام القضاء المُختصّ، إذا كانوا فعلاً يملكون ما يُثبت إتهاماتهم ضُدّ وزراء ومسؤولي «التيّار»، وإذا لم يكن هدفهم هو التشهير بالتيار عُمومًا، وبالوزير جبران باسيل بالتحديد!
ورأت الأوساط السياسيّة المُطلعة أنّه ما لم تتدخّل جهات قادرة على ترطيب الأجواء وتهدئة الأمور، خاصة بين رئاسة الجُمهوريّة ورئاسة مجلس النوّاب، من قبل جهات تصلح للعب هذا الدور، على غرار «حزب الله» على سبيل المثال لا الحصر، فإنّ الأمور مُرشّحة للتوتّر أكثر فأكثر بين الطرفين المَذكورين وكذلك بين الأطراف التي طالتها الإتهامات القضائيّة وتلك التي حرّكت الملفّات. وتوقّعت الأوساط نفسها في الختام، أن تسلك الأمور إتجاهًا من إتجاهين في المُستقبل غير البعيد: إمّا إخراج القضاء من الإنتقائيّة والكيديّة والخلفيّة السياسيّة في تحريكه للملفّات التي فيها شُبهات فساد وثراء غير مَشروع، وإمّا وُقوع حرب دعاوى قضائيّة مُتبادلة بين أكثر من طرف سياسي لبناني أساسي!