ليس في تاريخ لبنان الحديث من ثوابت غير الأستاذ نبيه بري رئيس المجلس النيابي منذ 1992، العام الذي شهد الترجمة المعمول بها حتى الآن لإتفاق الطائف، والتي أوصلت لبنان الى ما وصله الآن من ازدهار غير مسبوق في الأزمات كافة، الاقتصادية والمالية والسياسية والدستورية والأخلاقية…
واكب بري الرئيس الياس الهراوي ونظّم التمديد له، ثم أشرف على انتخاب الرئيس أميل لحود ومدّد له ايضاً، فالهراوي ليس أفضل من لحود، وعندما وقع الخيار على الرئيس ميشال سليمان نظّم بري عملية التصويت، ولم يتوقف عند شكليات الدستور، فسليمان، قائد الجيش، لم يقدم استقالته من الوظيفة ضمن المهلة القانونية، وبري أعفاه من هذا الواجب ليبقي سيف المحاسبة مسلولاً في وجهه، وهو ما ألمح اليه خصومه اللاحقون بعد أقل من سنة على انتخابه…
لم يحظ سليمان بالتمديد، وإلا لكان حظي بالدعم اللوجستي من بري. بقيت الجمهورية عامين ونصف العام في الفراغ كان يمكن ملؤها بالتمديد، لكن ذلك لم يحصل، وصار دور الاستاذ البحث عن مبررات لإقفال المجلس النيابي.
ثمة ما تغيّر في التوازن الذي جعل بري حاكماً بأمره. فقد انهمك نظام الاسد في معاركه الداخلية، وانتقلت السلطة التقريرية الى الطرف الإيراني، الفاعل في سوريا عبر ممثله اللبناني “حزب الله”.
كان على بري ان ينظم انتخاب ميشال عون رئيساً من دون شهية، وفِي السنوات المقبلة تجرّع ما لم يتمكن من رفضه، وصولاً الى استضافته حكومة اللون الواحد التي ستتبنى موازنة حكومة أسقطها الشارع لأسباب عدة، منها موازنتها العتيدة!!
في كل المحطات يحمل بري لقب بطل لبنان في تحمل المسؤولية من الوزن الثقيل، صحيح أن الشكوك تحيط بدوره في المرحلة المقبلة، إلا أنها لا تلغي أنه حتى إشعار آخر لا يزال الترجمان الاول في لبنان لمتطلبات ممانعة الصمود والتصدي ثم خليفتها ممانعة المحور الإيراني وظله الثقيل.